سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بهاء طاهر ل«الوطن»: حماس الإخوان للديمقراطية يقتصر على استخدامها للوصول إلى السلطة وبعد ذلك «ابقى قابلنى» الروائى الكبير: الليبراليون لديهم رغبة فى التعايش مع الإسلام السياسى.. والعكس غير صحيح
فى الخمسينات والستينات لم أكن أكلف نفسى عبء الرد على اتهامات البعض لى بأنى «وجودى» أو يسارى، لكن خلال العام الماضى تلقيت رسائل تطعن فى عقيدتى، جعلتنى أشعر بجرح شديد واضطررت -لأول مرة فى حياتى- للدفاع عن نفسى وأن أقول للناس: «أنا والله مسلم وحسن الإسلام»، ■ كثير من رموز وقادة التيار الدينى يُكنون استخفافاً وأحياناً احتقاراً للتيارات المدنية -ليبرالية ويسارية- المختلفة، ويرون أنها لم تقدم شيئاً يذكر للوطن، فكيف ترى وأنت صاحب «أبناء رفاعة» هذه الاتهامات؟ - أبناء رفاعة قدموا ويقدمون الكثير لمصر، وفى تقديرى، فإن كل إنجازات مصر الحديثة قدمها أبناء رفاعة سواء من المثقفين العلمانيين مثل قاسم أمين وطه حسين وغيرهما أو من أبناء الأزهر المستنيرين، وعلى رأسهم رفاعة الطهطاوى والإمام محمد عبده، وسأكتفى بالإشارة إلى إنجازين فقط لرفاعة؛ أولهما الهوية المصرية، فقبل رفاعة كانت مصر كيانا سياسيا غير مستقل تابعا للدولة العثمانية التى تساوى تحت سلطتها الجميع فى العبودية، والإنجاز الثانى «مفهوم المواطنة» التى دافع عنها رفاعة بأدلة من القرآن الكريم والسنة تثبت أن إرادة الله اقتضت أن يعيش الناس من أديان مختلفة فى مكان واحد و«إن جميع ما يجب على المؤمن لأخيه المؤمن يجب على أعضاء الوطن فى حقوق بعضهم على بعض لما بينهم من إخوة الوطنية». هذان إنجازان من أعظم ما يكون، ولذلك أنا أعتبر رفاعة ومحمد على -وليس محمد على وحده- هما مؤسسا الدولة الحديثة، ولولا رفاعة لكان محمد على مجرد والٍ مستبد حكم البلاد. وبعد رفاعة تتابع أبناؤه ومنهم الشيخ محمد عبده الذى ناضل من أجل مدنية الدولة ونزع وصاية رجال الدين، وكان يؤكد أن «الإسلام لم يعرف تلك السلطة الدينية، التى عرفتها أوروبا، فليس فى الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة، وهى سلطة خوَّلها الله لكل المسلمين، والأمة هى التى تولى الحاكم، وتخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها، فهو حاكم مدنى من جميع الوجوه، وليس للخليفة -بل ولا للقاضى، أو المفتى، أو شيخ الإسلام- أدنى سلطة على العقائد وتحرير الأحكام، لأنه ليس فى الإسلام سلطة دينية بوجه من الوجوه، بل إن قلب السلطة الدينية، والإتيان عليها من الأساس، هو أصل من أجَلِّ أصول الإسلام». وظل تأثير فكر الإمام المستنير طاغياً على المجتمع المصرى نحو قرن كامل من الزمان حتى جاء الشيخان رشيد رضا وحسن البنا اللذان وأدا فكر الإمام بأفكارهما المتشددة. ■ فى تقديرك ما أهم إسهامات التيار الدينى (وتحديداً الإسلام السياسى) لمصر؟ - الإسهام فى تحقيق نهضة أخلاقية من نوع ما، أما إسهامهم السلبى فتشجيع المجتمع على إدارة ظهره للعصر، وإذكاء الحلم بالعودة لعصر الخلفاء الراشدين، وبديهى أن القفز على التاريخ لاستعادة عصر بكل مفرداته أمر مستحيل وغير مفهوم. ■ «الإخوان» جماعة كبيرة وبها أجنحة وقادة كثيرون، من كان -فى تقديرك- أكثرهم خطراً على مجتمعنا؟ - أظن أن سيد قطب -أبرزهم وأذكاهم- هو أكثر من أضر بنا، فقد كان مثقفاً بارزاً ولعب دوراً كبيراً فى الثقافة المصرية فى الأربعينات والخمسينات كناقد، وهو أول من اكتشف نجيب محفوظ، ثم انقلب على نفسه وفكره، فقطب -على ما يبدو- كان يتمتع بالقدرة على الإقناع، فأحاط به مجموعة من الناس وآمنوا بأفكاره الخطيرة، وكتاب «معالم فى الطريق» مثلا يهدم أسس الدولة الحديثة فى كل مكان فى العالم ويَصم شعوب الأرض بالجاهلية لأنهم رضوا بغير «حاكمية الله». وبالمناسبة كثير جداً من قادة الإخوان وأعضاء مكتب الإرشاد من التلاميذ الروحيين لقطب والمؤمنين بأفكاره، ومن بينهم المرشد الحالى الدكتور محمد بديع والسابق محمد عاكف. ■ وما أهم قناعات قطب التى يتبناها حتى الآن تلاميذه الروحيون، ومنهم بعض أعضاء من مكتب الإرشاد الحالى كما تقول؟ - أخطرها الإقصاء، فسيد قطب كان حاسماً وقاطعاً وباتراً، فإما أن تكون مؤمناً على طريقته وإما «جاهلياً»، وهذا تطرف شديد حتى بمعايير الشيخ حسن البنا، الذى كانت فى فكره درجة من السماحة وتأليف القلوب. وثانيها معاداة الديمقراطية التى لا يستسيغونها كثيراً، فقد نجح البنا فى خلق تنظيم قوى يحول كل عضو جديد إلى ترس فى آلة، لا يملك إلا السمع والطاعة لما يقرره مكتب الإرشاد. وثالثها النظرة الدونية للمرأة، ألا يلفت نظرك أن مكتب الإرشاد لم يضم أبداً بين أعضائه -طوال تاريخ الجماعة الطويل- سيدة؟ ذلك لأن البنا كان يؤمن بأن وظيفة المرأة الأساسية هى الإنجاب وتربية الأطفال، وهو ما عبر عنه بعد ذلك قطب بوصف المرأة ب«مصنع الرجال»، ولم أجد فى فكر الإخوان وأدبياتهم -وأنا قارئ جيد- أى ذكر لأى دور سياسى واجتماعى آخر للمرأة، ولا يخطر ببالهم أن المرأة نصف المجتمع ولها حقوق. ■ لكن الإقصاء الذى يتبناه القطبيون ينذر بخطر عظيم، فحتى تيارات الإسلام السياسى المتشددة ليست على قلب رجل واحد، ولكل منهم فهمه للإسلام؟ - (رد ضاحكاً).. واختلافهم رحمة. ■ إذا كان بعض قادة الإخوان لا يؤمنون بصدق بالديمقراطية التى حملتهم إلى قصر الرئاسة، فهل هذا يعنى أن كلامهم عن الديمقراطية مجرد مجاراة للمجتمع لحين الوصول إلى السلطة؟ - فى رأى كثير من نقادهم فإن حماس أعضاء الجماعة -حتى من غير القطبيين- للديمقراطية يقتصر على استخدامها للوصول إلى السلطة «وبعد كده ابقى قابلنى». ■ وهل هذا رأيك؟ - هذا أمر مستحيل، لأن المجتمع تغير ولن يسمح بهذا الإقصاء، ومهما احتاج الأمر من تضحيات فسيتم تقديمها. ■ ألا يوجد أمل فى التعايش بين التيارات العلمانية والمدنية وبين التيار الدينى بتوجهاته المختلفة؟ - أنا وكل من يوصفون بالليبراليين أو العلمانيين لدينا كل الرغبة فى التعايش مع تيار الإسلام السياسى، لكن العكس غير صحيح، فأصحاب هذا التيار لا يحبون التعايش معنا، وهذا توجه قديم فقد كان قادة الإخوان يرفضون الدخول فى حوارات مع الوفديين والسعديين وغيرهم من الأحزاب المدنية فى الأربعينات والخمسينات ويقولون ما معناه إن «الجدل يورث الكفر». ■ مَن أكثر من عرفتهم من قادة الإخوان ورموزهم انفتاحاً على الآخرين؟ - خالد محمد خالد، الذى بدأ حياته إخوانياً، وأظنه عاد إليهم فكرياً فى نهاية حياته، وكان يرفض إعادة طباعة كتابه «من هنا نبدأ»، وحدث هذا للكثيرين بسبب الإرهاب الفكرى الفاضح الذى يتعرض له كل من يخالف فكر الجماعة أو التيار الدينى على وجه العموم، وأيضاً الشيخ على عبدالرازق كان يرفض أيضاً إعادة طباعة كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، لا لأنه ارتكب خطأ، بالعكس فكتابه إنجاز كبير، ولكن بسبب الإرهاب والإقصاء اللذين تعرض لهما، ووصلا إلى حد سحب شهادة العالمية منه. والحقيقة أن هذا التيار لديه قدرة هائلة على الاغتيال المعنوى لخصومه، وأحياناً الاغتيال الجسدى كما فعلوا مع فرج فودة ونجيب محفوظ. ■ هناك عدد من المحللين كانوا متشائمين عند تولى مرسى الرئاسة ثم صاروا متفائلين أو أقل تشاؤماً بمستقبل البلد تحت قيادته، ما موقفك أنت بعد مرور نحو 3 أشهر من رئاسته؟ - كل الاحترام للرئيس محمد مرسى، لكنى أتحفظ بشدة على وضعه الحالى، ولم يحدث فى أى وقت من تاريخنا الطويل أن جمع رئيس فى يديه السلطة التنفيذية والتشريعية بل واليد العليا فى كتابة الدستور (بحكم سيطرة الإخوان على الجمعية التأسيسية)، ولا تقل لى هذا وضع مؤقت، فيوم واحد -فى ظل هذا الوضع- كثير جداً، ألم يسمع هؤلاء عن المرحوم «مونتسكيو» ومبدأ الفصل بين السلطات؟! ■ وهل هذا ذنب الرئيس، الظروف هى التى فرضت حل مجلس الشعب؟ - صحيح، لكن الرئيس هو من انتزع السلطة التشريعية من المجلس العسكرى وأعطاها لنفسه، هل هذا منطق؟ ألم يكن ممكناً أن يعطى هذه السلطة لأى جهة أخرى لها صفة تمثيلية، وليكن مجلس الشورى مثلا؟ أنا لم أسمع بمثل هذا الاستئثار فى التاريخ! وقطعاً سيكون لذلك انعكاسه السلبى على كتابة الدستور، فليس من المتوقع ألا تتأثر الجمعية التأسيسية بمناخ يجمع فيه تيار واحد كل السلطات. ■ لكن قرارات الرئيس مرسى ومواقفه حتى الآن مطمئنة وتشى بأنه صاحب شخصية معتدلة ومتعقلة؟ - المشكلة ليست فى شخصية الرئيس وحده، فالتيار القطبى داخل الإخوان والوهابى داخل السلفيين لن يسمح له بالاستمرار فى الاعتدال والتعقل، وعلى سبيل المثال وعد الرئيس قبل انتخابه أن يتخذ لنفسه 3 نواب، شابا وقبطيا وامرأة، لكن حلفاءه من السلفيين أعلنوا صراحة رفضهم لتولى قبطى أو امرأة هذا المنصب، مع أن المرأة حكمت أكبر 3 دول إسلامية، من حيث العدد، وهى باكستان وإندونيسيا وبنجلاديش، والمناقشات الدائرة الآن حول المادة الثانية فى الدستور كلها ذاهبة فى اتجاه التشدد وإغلاق أبواب الرحمة. ■ فى حوار سابق قلت إن المثقفين هُمشوا بعد الثورة وأن المسئولين عن المرحلة الانتقالية تعاملوا مع المثقفين على طريقة مبارك «خليهم يتسلوا»، رغم وجود أدباء ومثقفين فى الفعاليات السياسية المختلفة ومنهم فاروق جويدة؟ - هذا لا يكفى، فأنا شخصياً أكن قدراً كبيراً من الاحترام لفاروق جويدة، وأعتبره مثقفاً مصرياً وطنياً محترماً، لكن «مش ممكن يُؤخذ باعتباره ممثلا وحيداً للمثقفين، فهناك مثقفون آخرون ينتمون إلى تيارات أخرى ولهم أفكار مختلفة». ■ ما الدور الذى يمكن أن يلعبه المثقفون والأدباء فى مواجهة التطرف الدينى؟ - دور محدود جداً، لكنه مطلوب، فليس فى يدنا سلطة، والأحزاب المدنية التى تعبر عنا محدودة التأثير. ■ لماذا؟ - لسببين؛ أولهما أنها كثيرة ولكن مبعثرة، وحين تدعوهم إلى الائتلاف كأنك تدعوهم إلى الموت، وثانيا بعضهم يتعالى على الناس ولا يخاطبهم باللغة التى يفهمونها، منذ عدة سنوات حضرت اجتماعا «لحزب تقدمى» فوجدتهم يتحدثون عن «الكمبرادورية» ويرددون كلاماً «هندوسياً» من نوعية «الشواشى العليا للبرجوازية»، على رأى الكاتب الساخر الشهير المرحوم محمود السعدنى! فاندهشت وقلت لهم: المسألة أبسط من ذلك بكثير، اذهبوا أمام «قصر العينى» ستجدون مئات يحتاجون مساعدتكم، وإذا ساعدتموهم ستحصلون على أصواتهم، أما «الكمبرادورية» فلن تأتى لكم بأى أصوات! ■ وهل هذه الوصاية والملاحقة جديدة ولم تكن موجودة من قبل، أى فى الأربعينات والخمسينات قبل تغول التيار الدينى منذ منتصف السبعينات؟ - ليس بهذه الحدة، هذه الظاهرة لم تأخذ هذا المنحنى الخطير إلا فى منتصف السبعينات مع استقدام الرئيس السادات للوعاظ من الخليج الذين صاروا نجوم القنوات الفضائية فيما بعد، وكنت وما زلت أقول إن التأثير السعودى والخليجى المتزايد على الثقافة المصرية مدمر، وسأعطيك مثالا يوضح وجهة نظرى؛ أصدر إسماعيل أدهم كتابه الشهير «لماذا أنا ملحد؟»، فى عام 1937، وكل ما حدث وقتها أن رد عليه محمد فريد وجدى بكتاب آخر «لماذا أنا مسلم؟»، وانتهى الأمر ولم نجد من يتطوع بتكفيره «رغم أنه مكفر نفسه!»، يا ترى كم ألف فتوى كانت ستصدر لتكفيره وإهدار دمه لو صدر هذا الكتاب الآن؟! ■ على ذكر الكتب والكتَّاب، هل هى مجرد مصادفة ألا تضم كوادر الإخوان -على كثرتها وتنوعها- أديباً واحداً معروفاً؟ - لا أظنها مصادفة، فجماعة الإخوان لم تقدم -طوال تاريخها- سوى أديب واحد، المرحوم سيد قطب، وهو أديب محبط لم يحقق نفسه رغم تميزه، وأنا شخصياً قرأت له رواية بعنوان «أشواك» وأعجبتنى كثيراً، لكن لا أعرف هل يعترف بها الورثة الذين سبق أن رفضوا الاعتراف بشِعره، وعلمت -وإن لم أكن متأكداً- أن الشيخ حسن البنا، رحمه الله، كان يكتب الشعر، ثم فى مرحلة من حياته تنصل منه وأحرقه، يبدو أنهم لا يكنون احتراماً كبيراً للإبداع الأدبى والفكرى. ■ تبدو شديد التشاؤم والقلق على مستقبل البلد، ألا ترى أى سبب يدعوك إلى التفاؤل؟ - أنا لست متشائماً رغم قتامة المشهد، لسبب رئيسى هو أننى دارس للتاريخ، ومن يقرأ التاريخ يعرف أن له قفزات ومفاجآت تَخفى عن أعيننا ولكنها موجودة، هذا ما حدث مع نظام مبارك الذى ظل جاثما على صدورنا 30 عاماً، دون أى علامات ظاهرة على قرب انهياره، وكنا -فى حركة «كفاية»- حين نخرج احتجاجاً على نظامه ومخطط التوريث لا نجاوز المئات وأحياناً عشرات، ثم جاء الطوفان وانهار النظام، وهذا ما حدث فى تونس وسوريا وغيرهما، فى التاريخ لا يصح فى النهاية إلا الصحيح. المجتمع لن يقبل بسيطرة الإخوان على البلد وإذا تطلب الأمر تضحيات.. سنقدمها إذا تكلم «بهاء طاهر»، يجب أن نصغى، فلمثل هؤلاء تنصت الآذان. فى حواره معنا يطلق أديب مصر الكبير جرس إنذار من خطر التيارات الإسلامية المتشددة التى تغلق على الناس كل أبواب الرحمة وتفتش فى صدورهم وضمائرهم للتنكيل بهم، ويحذر من أفكارهم الرجعية والإقصائية، ويقول إن حماس جماعة الإخوان للديمقراطية يقتصر على استخدامها للوصول إلى السلطة «وبعد كده ابقى قابلنى»، ويرى أن عدداً كبيراً من قادة الإخوان ومنهم المرشد الحالى والسابق يؤمنون بأفكار سيد قطب التى تهدم أسس الدولة الحديثة، وأن التيار القطبى داخل الجماعة والوهابى داخل الحركات السلفية لن يسمح للرئيس بانتهاج خط معتدل، وأوضح أنه بسبب ضغوطهم تراجع الرئيس محمد مرسى عن تعيين امرأة وقبطى نائبين له. ويعرب أديب مصر الكبير عن أسفه لتشرذم الأحزاب المدنية التى ترفض دعوات الائتلاف فيما بينها وكأنك تدعوهم إلى الموت، ويؤكد صاحب «أبناء رفاعة» أن المجتمع لن يقبل بسيطرة الإخوان على البلد مهما تطلب الأمر من تضحيات، متفائلا بمستقبل البلد لأن للتاريخ قفزات ومفاجآت تَخفى عن أعيننا ولكنها موجودة ولن يصح فى النهاية إلا الصحيح.