بعد سماعه الأذان، يفطر عم «أمين» سريعاً، يصلى المغرب، وينزل متوكلاً على الله بعربة «الجيلاتى» من حى المغربلين وحتى وسط البلد، يعرفه جميع أطفال منطقته، يحبونه، فهو مصدر سعادتهم، ينادونه وهو يسير، يصعدون على عجلته، ويأخذون منه «جيلاتى» كما يطلق الأطفال عليه، أو «بسكويت ساقع» كما يقول هو، بالرغم من كبر سنه الذى تخطى الستين، وضعفه، وقلة حجم جسمه، إلا أنه ينسى التعب عند رؤية ضحكة طفل صغير أو سعادة على وجه طفلة، تذكره ببناته. بيع «الجيلاتى» يذكر «أمين» بواقعة لن ينساها، عندما كانت بناته صغيرات وكن يطلبن منه قروشاً قليلة لشراء «الجيلاتى» وكان يحزن لأنه لا يستطيع توفيره لهن مثل كل الأطفال ولذلك حرص على أن يكون مشروعه ومهنته هى بيع «الجيلاتى»، يستعيد «أبو البنات» ذكرياته وتلمع عيناه ويبتسم قائلاً: «جات لى فكرة إنى أجيب عجلة جيلاتى وتبقى شغلانتى، شجعتنى مراتى، اشتغلت حاجات كتير باليومية، حوشت، استلفت، وجبت العجلة، وبقيت مهنتى اللى باحبها، وكانت سبب فى فرحة بناتى». «بكام يا عم يا بتاع الجيلاتى؟» تقولها طفلة بالشارع، فيرد عم «أمين»: «اللى تدفعيه يا بنتى»، فتصعد على العجلة بسعادة، وتعطيه بعض العملات المعدنية، بينما ينشغل هو بعمل آيس كريم بالبسكويت لها. «مفيش سعر معين، اللى معاه يدفع، واللى مش معاه، مش باخد منه، يلّا خليه يفرح وينبسط، حتى لو راجل كبير مش معاه ونفسه فى بسكويت بنديله»، قالها الرجل الستينى وهو يجر عجلته مرة أخرى ليتوجه إلى مكان آخر: «ساعات باتعب طبعاً، أنا راجل كبير، وبامشى كتير على رجلى، وبأزق فى العربية وباحمل على جسمى وكتفى عشان لقمة عيش حلال، أصل الدنيا علمتنى، ما أكّلش بناتى غير بالحلال».