أتى التكليف لنبي الله موسى من رب العالمين سبحانه وتعالى، فكان أمرًا من الله بالذهاب لفرعون ومبادرته بالقول اللين لعله يتذكر أو يخشى، لكن موسى عليه السلام طلب من رب العالمين طلبًا قبل أن يٌنفذ الأمر، طلب أن يجعل له شريكًا يعمل معه ويعينه على مهمته، نعم طلب أخاه هارون عليه السلام. الدارسون والباحثون في علم الإدارة يمرون في دراستهم على ما يٌسمى بالسلوك التنظيمي، يتناول هذا الفرع من الإدارة كيفية التعامل مع البشر باختلافاتهم من خلال فهم طبيعة هذه الاختلافات، فلكل إنسان ما يميزه عن غيره، أنا مٌختلف عنك، تربيت في بيئة مختلفة عنك بأسلوب مٌختلف، وأحمل بداخلي قيمًا مختلفة حتى وإن كنا نشترك في الكثير منها. السلوك الإنساني ليس نتاجًا للمواقف التي نمر بها فقط، وإنما هي تفاعلًا بين مجموعة من العناصر تتشكل بداخل الإنسان منذ صغره وربما تستمر في التغير حتى آخر يوم في عمر الانسان، إلا أننا كلما تقدمنا في العمر يقل احتمال التغيير، نذكر من تلك العناصر اثنين: أولًا: مجموعة القيم التي يحملها الإنسان، فالصدق والأمانة والالتزام هي قيم، وكذلك الكذب والخيانة وعدم الانضباط هي أيضًا قيم ولكنها قيمًا سلبية. ثانيًأ: الاتجاهات وهي مبنية على القيم، وتمثل طريقة تقييمك للأشياء ونظرتك لها، فمثلًا إن كنت شخصًا يكره قيمة الكذب "وهي قيمة سلبية" ولا يقبله بأي شكل من الأشكال، فإذا كذب أمامك أحد الأشخاص ولو مرة واحدة ربما تصبح نظرتك له سلبية وقد لا تتغير هذه النظرة إلا بموقف قوي يكون قادرًا على إحداث هذا التغيير. وبناءً على ما سبق ينتج السلوك، الذي هو في الغالب يكون انعكاسًا للاتجاهات والقيم، واستكمالًا لمثال الكذب فقد كنت تنظر نظرة سلبية لهذا الشخص بسبب كذبه ولكن هذا كان بداخلك لذلك سٌمي ذلك اتجاهًا، أما في مرحلة السلوك فستقوم باتخاذ إجراء ضد هذا الشخص، بأن تٌعامله بشكل سيء أو لا تتعامل معه من البداية. كل هذه المنظومة المٌعقدة تؤثر في موظفيك عزيزي المدير والقائد، نعم، كلهم لديهم نفس هذه المنظومة مثلك تمامًا، وعليك أن تتقبل ذلك وتتعامل معه بشكل علمي لكي تدرك على وجه التحديد كيف تدير هؤلاء الموظفين. من ضمن تلك الاختلافات أن أحد الموظفين يٌفضل العمل وحده والآخر يٌفضل العمل مع الآخرين ضمن فريق، عليك أن تتقبل ذلك، وأن تٌراعي هذه الفروق، هذا ليس لقصور فيه، وإنما هي طبيعة عليك التعامل معها بشكل علمي، بل والأكثر من ذلك أن هناك شعوبًا تتميز بهذه الصفة، وشعوبًا أخرى تعمل في جماعات، أيهم أفضل؟ صدقني لا أحد يستطيع الإجابة على هذا السؤال، لأنه ببساطة لا يوجد تفضيل إلا إذا فرضت طبيعة العمل إحدى النمطين. نبي الله موسى عليه السلام مثالًا لمن لا يٌفضلون العمل وحدهم، لذلك كان أول طلبٍ له شريكًا يساعده، ولبى الله سبحانه وتعالى هذا الطلب له ليؤدي المٌهمة كما ينبغي، والسؤال الآن: هل ستتقبل انت اختلاف موظفيك عن بعضهم أم لا؟