بعد ماراثون الدراجات الذى قاده الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الجمعة الماضى تحركت بعض الألسنة والأقلام سريعاً لتحتفى بقيمة «العَجَل» وأهميته كوسيلة نقل، وبدأت فى التنويه بإسراع بعض المواطنين إلى اقتناء «البسكلتات» تلبية لدعوة رئيس الجمهورية بتوفير ال«16 جنيه» إياهم. ولست أدرى: ألم يئنِ بعد لهذه الأقلام أن تتخلى عن ثقافة «الهرولة» وراء كل فكرة تطرحها الرئاسة؟ لقد مارس هؤلاء بذات الطريقة مع الرئيس «المخلوع» مبارك، وعندما قامت ثورة يناير، كانوا أول من هرب وأعلن عجزه عن مواجهة الشارع الثائر. هؤلاء لا يلتحف بهم أحد إلا هلك. وكما لم أطرب للطريقة التى عالج بها البعض فكرة «البسكلتة كوسيلة للنقل» لم أطرب للفكرة ذاتها، ولم أرَ فيها ما رآه غيرى من أنها يمكن أن تكون أداة مساعدة فى حل مشكلة نقص الطاقة المستخدمة فى النقل. المثل العربى يقول «ما هكذا تُورَد الإبل»، وليس بمثل هذه الأفكار تُحل مشكلات البلاد، وأخشى أن تكون هذه «التحركات» أو «الحركات» مجرد محاولات يائسة للتغطية على عدم امتلاك حلول عملية أو واقعية للمشكلات. فكرة «العجلة» لطيفة لكنها غير عملية فى حل مشكلة الطاقة أو مشكلة التكدس المرورى، وهى لا تقل لطفاً عن الدعوة التى تبناها عادل إمام فى فيلم «كراكون فى الشارع» عندما أنشأ منزلاً متنقلاً ليواجه به أزمة السكن، فجوبه بما هو أدهى وأمر. فمثل هذه الحلول قد تواجَه بمشكلات أكبر بكثير من المشكلة التى يسعى الفرد إلى حلها. على سبيل المثال.. الاعتماد على «العَجَل» -ضمن منظومة النقل- يتطلب عملية تحضير على مستويات عدة أهمها رفع الجمارك على «البسكلتات» حتى نشجع المواطنين على استخدامها، وضرورة توفير حارات داخل الشوارع يتحرك فيها العجَل حتى لا يتعرض راكبه للدهس، وأهمية توفير محطات لتأجير العجَل فى مناطق مختلفة، بحيث يقوم من يريد امتطاءه بالتأجير من المكان الذى يتحرك منه ليسلمه فى المحطة الموجودة فى المكان الذى ينتقل إليه. وكل هذه الخطوات تقتضى جهداً وتمويلاً يفوق ما يمكن أن توفره «العجلة»! فكل وسيلة نقل ولها مشاكلها ولها متطلبات معينة لا بد أن تتوافر قبل الدفع بها إلى سوق الحياة. زمان كانت «الحمير» هى الوسيلة التى يعتمد عليها المصريون فى الانتقال من مكان إلى مكان. ومن يقرأ كتاب «مذكرات ضابط فى الحملة الفرنسية على مصر» سيجد أن جملة من المشكلات ارتبطت باستخدام هذه الوسيلة فى التنقل، كان من أهمها دهس المترجلين (السائرين على أقدامهم). وقد وقعت العديد من حوادث صدم «الحمير» التى كان يمتطيها جنود الحملة للفرنسيين، نتيجة السرعة الزائدة عن الحد، فاستشاط المصريون غضباً، وزاد غضبهم عندما قام جنود الحملة بهدم بعض المبانى والمساجد بحجة توسيع الحوارى والأزقة وتيسير ممرات ل«الحمير»، وهو الأمر الذى ضاق به الكثيرون، فكانت ثورة القاهرة الأولى التى انتفض فيها المصريون ضد الحملة الفرنسية. هذا المثال يوضح لنا جملة المشكلات المرتبطة بوسائل المواصلات، حتى ولو كانت «حمير»!