هل جربت أن تقرأ العمود المعنون ب«نيوتن» فى جريدة «المصرى اليوم»؟ هل تساءلت يوماً مثلنا من كاتب هذا المقال التحليلى المعلوماتى الذى يصر على الاختباء وراء اسم نيوتن؟ هل طرحت الظنون أسماء الكتاب فى رأسك متخيلاً صاحب الكلمات؟ للأسف لم نعرف من هو نيوتن إلا بعد رحيل الكاتب الصحفى عبدالله كمال أمس الأول الجمعة. نعم كان «عبدالله» هو كاتب المقال ولم يكن صاحب فكرة إخفاء اسمه ولكنها الحالة السياسية التى أرغمته على ذلك. لا تحمل قصة مقال نيوتن قدرة عبدالله على مواصلة الكتابة والتحليل حتى بعد أن ترك منصبه كرئيس تحرير ل«روزاليوسف»، ولكنها تحمل شهامة صلاح دياب رئيس مجلس إدارة «المصرى اليوم» الذى كان فى خلاف شديد مع عبدالله كمال قبل ثورة يناير بسبب هجوم الأخير عليه فى مقالاته، بادر صلاح دياب بالاتصال بعبدالله عارضاً عليه كتابة مقال يومى ب«المصرى اليوم» تحت اسم مستعار لكى لا يتوقف عن الكتابة، وهو ما اعترض عليه عبدالله فى البداية، ولكنه قبل فى نهاية الأمر واختار للعمود اسم «نيوتن». لم يعرف أحد فى «المصرى اليوم» شخصية نيوتن، كان المقال يأتى للجريدة عن طريق إيميل صلاح دياب. وظل عبدالله طيلة السنوات الثلاث الماضية يكتب ويحلل ويبهر الفاهمين بعمق التحليل. برز نيوتن وتوارى عبدالله كمال ونسيه الكثيرون حتى عاد للضوء فى أكتوبر الماضى بكتاب «كلمة السر»، وكنت جزءاً من ذلك. لم ألتق عبدالله كمال إلا حينما اتصل بى فى الأول من سبتمبر 2013 طالباً موعداً لأمر كتاب مهم، توجهت إليه فعرض علىّ رزمة صفراء من ورق فلوسكاب بها مذكرات الرئيس الأسبق مبارك فى الفترة من عام 1967-1973 يروى فيها ما حدث فى نكسة يونيو وكيف تمت إعادة بناء القوات الجوية حتى كانت مفتاح النصر فى العام 1973. وحكى لى عبدالله كمال كيف أنها وصلته عن طريق حفيد الأستاذ محمد الشناوى مدون المذكرات. وسألنى عن استعدادى لنشرها ككتاب، فوافقت على الفور وكنت أعد وقتها لنشر كتابين عن حرب أكتوبر بمناسبة مرور 40 عاماً عليها. واتفقنا على أن يعيد صياغة المذكرات خلال أيام لتتناسب مع روح العصر الحالى. ثم تناول حديثه جزئيتين هما الحقوق المادية لورثة كاتب المذكرات الأصلية، والحقوق المعنوية للرئيس الأسبق الذى أصر على استئذانه فى النشر. وبعد ترتيب كل شىء ترك لى مهمة إخراج الكتاب للنور متابعاً معى كل الخطوات. كنت وعلى مدى سنوات طويلة قبل يناير 2011 أرى فى عبدالله كمال أمهر كتاب وصحفيى جيله الذين تخرجوا معه فى ذات السنة وصاروا كلهم رؤساء تحرير يشار لهم بالبنان. كان مالكاً لأدوات الكتابة وتحليل الشئون السياسية بعمق، لاقترابه من دائرة صنع القرار وبحكم قراءاته المتنوعة. كنت أتساءل دوماً فى أيامها لماذا يأخذ ركن السلطة؟ وسألته السؤال ذاته حينما التقينا، معربة عن اختلافى معه فى الأسلوب واحترامى لفكره فى الكتابة، فصمت وفكر قليلاً ثم قال: «اخترت الدولة لا النظام فلم أنافق ولم أتغير بعد زوال النظام. أحببت مبارك ورفضت الإخوان ولم أهادنهم لأننى قارئ لهم ولسياساتهم، وهاجمت أمريكا وحذرت منها».. وصمت. هالنى خبر وفاة عبدالله كمال لا لشىء إلا لقدرة الموت على مفاجأتنا هكذا مثبتاً أنه الأصدق وسط كل ما نحياه. وفجعتنى شماتة بعض النشطاء والحقوقيين وغالبية الإخوان الذين نسوا حرمة الموت فتجرأوا على الله وحاسبوا الراحل! ولذا لا أملك إلا القول وداعاً عبدالله كمال وتحياتى على ثباتك ويكفيك أنك كتبت ما اقتنعت به دون نفاق.