المعارك التى تخوضها مصر منذ الإطاحة بنظام الخائن محمد مرسى وجماعته الإرهابية فى الثلاثين من يونيو، والجبهات الكثيرة المفتوحة فى الداخل والخارج، أصبحت موضوعاً دارجاً يتداوله عقلاء النخبة وشرفاؤها -وهم قلة- ويتداوله عوام المصريين فى المقاهى وغرف النوم وأمام عتبات البيوت: هناك معركة مع فلول الإخوان وأخطبوطهم الدولى القذر، وأخرى مع ميليشيات التكفير الخارجة من عباءة الجماعة الإرهابية، وثالثة مع أجهزة مخابرات إقليمية ودولية تتراوح فى شراستها ووضاعة أساليبها بين ال«سى. آى. إيه». وماخور الجواسيس الذى تديره الغانية الطروب «موزة» وولدها «تميم»، ورابعة مع إدارات سياسية -فى أوروبا والولايات المتحدة- تروج لمخططات تقسيم وخرائط جديدة، بدأت تؤتى ثمارها كما هو واضح فى العراق وليبيا وسوريا.. هذه عينة من معارك الخارج. أما على مستوى الداخل فما أكثر المعارك، وما أكثر الملفات الساخنة التى تنتظر الرئيس الجديد وإدارة حكمه: من الملف الأمنى إلى الملف الأخلاقى. غير أن ثمة معارك لا يعلم عنها المصريون سوى أقل القليل، ولا أظن أنهم سيقيمون لها وزناً إذا قورنت بغيرها، رغم أنها تلتقى فى النهاية مع الأهداف التى يطمح إليها خصوم الدولة المصرية فى الداخل والخارج، وفى هذا السياق أتوقف أمام ما يمكن أن أسميه معركة «إزالة آثار البرادعى». نحن نعرف أن هذا النحنوح الزلق، «الهراب»، لم يتحمل مشقة العمل فى دولاب دولة طاعنة فى عراقتها مثل مصر، لذا ترك منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وعاد إلى عالمه الافتراضى التافه، مرسلاً إلى دراويشه بين الحين والآخر «تغريدة» أكثر تفاهة. ثم انتهى به الحال غراباً وحيداً، منبوذاً، فى صقيع أوروبا. وقد قيل الكثير فى أسباب هروب البرادعى، وكان معظم هذه الأسباب ينطلق من موقف تعاطف وتقدير لا يستحقهما. فاعتراضه على فض اعتصامى رابعة والنهضة بالقوة، وإصراره على منح المعتصمين فسحة من الوقت وصولاً إلى حل تفاوضى للأزمة.. لم يكن المشكلة، رغم إدراك الجميع أن مخاطر الاعتصامين كانت تتضاعف يوماً بعد يوم. لكن المشكلة أن جهازه العصبى الليبرالى، ومزاجه السياسى والأخلاقى المرتبط ب«مؤامرة 25 يناير»، لم يتحملا فكرة الفض بالقوة، وما يمكن أن يترتب عليها من إهدار لدماء ميليشيات الإخوان المسلحة وقياداتها المحرضة، فقرر ألا يكون طرفاً فيما سيجرى، وترك موقعه فى لحظة فارقة.. كانت مصر خلالها فى أشد الحاجة إلى تكاتف الجميع، خلافاً أو اتفاقاً. لذا قلت وقتها، وما زلت أقول، إن ما فعله البرادعى يمكن أن يرقى إلى مستوى «الخيانة»، خاصة وقد أصبحت الخيانة مسألة نسبية. وقد تصورت -وكثيرون غيرى- أن البرادعى بهذا الهروب قد أخذ الشر وراح، فأراح واستراح. لكنه مع الأسف تحول إلى ظاهرة مرضية، إلى «وباء ليبرالى» سرعان ما ظهرت أعراضه فى حكومة الببلاوى وفى مواضع أخرى كثيرة من جسد الدولة، بل فى خلايا وجيوب إعلامية لا تزال تنضح صديداً ليبرالياً مقرفاً، وتُغرق شاشات الفضائيات ومقالات الرأى فى معظم، إن لم يكن كل الصحف المستقلة، بالنحنحة والبكاء على دماء القتلة والإرهابيين من الإخوان وحلفائهم. ومع أن الببلاوى لحق بالبرادعى، وانتهى الاثنان إلى مزبلة التاريخ، فقد ترك لحكومة المهندس إبراهيم محلب «ذيلاً برادعياً» كان لا بد أن يُقطع قبل أن يتفاقم خطره، وأعنى به الأخ «نبيل فهمى»، منسق العلاقات الغرامية بين مصر والغرب، ومسئول «مصلحة التوثيق وتوفيق الرؤوس فى الحلال» (الخارجية سابقاً). يقف الأخ نبيل فهمى على رأس مؤسسة سيادية، يفترض أن تكون رأس الحربة فى مواجهة تحالفات الخارج ومؤامراته، لكنه مع الأسف هبط بأداء الخارجية إلى مستوى «شاهد» على علاقة زواج شرعى بين القاهرة وواشنطن. وقد تورطت وزارته فى النفى، لكنها سرعان ما انخرست بعد أن تم تسريب هذا الجزء من حوار الوزير لراديو «ناشيونال بابليك» الأمريكى على موقع جوجل! وفى حوار آخر مع هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» عاد الأخ نبيل، الذى يعتبر نفسه وريثاً لدبلوماسية ال«99٫9٪ من أوراق اللعبة» ليؤكد أن دول الربيع العربى تعانى من «آلام طلق» تسبق مولد الديمقراطية. وخلافاً لهذه التصريحات المخملية، والجهود «البيولوجية» التى يبذلها الأخ «نبيل»، لم تظهر له أو لوزارته -عبر حكومتين متتاليتين- أى أمارة أو كرامة. بل تستطيع أن تقول بملء فمك إن مصر هُزمت فى أقصى الأرض بفضل نبيل فهمى وخارجيته الفاشلة. إلى أى مدى يمكن القول إذن إن نبيل فهمى متورط فى ولاء من نوع ما للإخوان؟ وإلى أى مدى يعمل ضد الدولة المصرية وهو يشغل أحد أهم وأخطر المواقع فى إدارتها؟! مرة أخرى: فتش عن البرادعى (الذى كان مديراً لمكتب والده إسماعيل فهمى، وزير خارجية السادات). فالاثنان -البرادعى وفهمى- كانا من أشد المعارضين لفض اعتصامى رابعة والنهضة، وخلال اجتماع مجلس الأمن القومى الذى سبق الفض أصر نبيل فهمى على توثيق موقفه فى محضر الاجتماع توقعاً لانهيار الحكم الانتقالى أو عودة الإخوان! وخلال حواره لراديو «ناشيونال بابليك» دافع نبيل فهمى عن إخوانى حقير يدعى «عماد شاهين»، كان يعمل أستاذاً للعلوم السياسية فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة. وقد هرب إلى أمريكا ولا يزال هارباً حتى الآن، بعد اتهامه فى قضية التخابر التى يعد الخائن محمد مرسى بطلاً لها. وبدا فهمى فى إشادته ودفاعه المستميت عن «شاهين» -الذى اُستقبل فى الولايات المتحدة استقبال الأبطال- كمن يشكك فى جهات التحقيق المصرية، بما يعزز الافتراءات الأمريكية والأوروبية على القضاء المصرى بعد ثورة 30 يونيو. والمجال هنا لا يتسع للحديث عن بذاءات هذا الإخوانى الهارب، وكراهيته للدولة المصرية، وتحريضه على مؤسساتها، وعلى رأسها الجيش. وإذا كانت مصر بعد انتخاب رئيسها الجديد قد فتحت صفحة سياسية جديدة، وتستعد لتشكيل حكومة تليق بمرحلة بناء تحتشد لها كل الطاقات.. فإن من غير المنطقى أن يظل هذا النحنوح على رأس وزارة سيادية مثل «الخارجية»: إن لم يكن بسبب فشله.. فبسبب خطورة الإبقاء على أى آثار لظاهرة البرادعى.. كبيرهم الذى علمهم النحنحة.