ظهرت الأرقام والنسب، وأن أكثر من 45٪ ممن صوتوا فى الانتخابات الرئاسية من الفئة العمرية «31-50» سنة (أنا وأقرانى من الكتلة الحرجة)، مقابل 28٪ ل51 سنة فأكثر، و27٪ لفئة من «18-30» سنة (مركز بصيرة)، علماً بأن فئة من «18-30» سنة عددياً ضعف مَن تخطوا سن ال51 سنة! فنحن معروف عنا أننا أمة شابة. ذكّرتنى هذه الدراسة بقصة: الخارجون من الغرفة المغلقة، التى عانينا منها جميعاً وإن اختلفت ردود أفعالنا. بقينا جميعاً جالسين، خائفين، كارهين لأنفسنا، يسيطر علينا القلق، نشعر بأننا سجناء فى غرفة مغلقة من كثرة ظلمتها وقسوتها، باتت شديدة السواد، وكئيبة الصحبة، وكثيرة الشك، كل من فيها يتشاجر مع كل من فيها، البعض يأخذ البعض فى زاوية ويتوجه إليهم بالنصح والإرشاد مع أنهم «فى الهوا سوا»، والبعض يرسم على جدران الحائط رؤى الخروج من المأزق، كأن أحد الموجودين لا يعلم هوية الوقائع أو حقيقة ما جرى، إذ لم يكن قد رآه على جدار مجاور مرسوم بنفس الألوان، والبعض دخل فى وعود للجالسين مللاً، يستمعون وفى قرارة نفسهم: «يا عم انت حتعملهم علينا، ما انت محبوس معانا أهوه!» وآخرون يطلقون اتهامات الخيانة لآخرين بلا حدود. وبدأ البعض يفكر فى فكرة الصراخ طلباً للنجدة، حتى وإن كان هناك شك فى أن يستمع إليهم أحد، وإن استمع هل سيكسر الغرفة ويهدمها بمن فيها؟ أم سيستمتع ويمضى لمصالحه؟ أم ينقذنا؟ وبعد فترة، مضت علينا كسنوات طويلة وليست شهوراً، أتى من سمعناه يمسك بسلسلة مفاتيح ضخمة، وتساءلنا: من وراء الباب؟ هل معه المفتاح، هل القفل له مفتاح أصلاً؟ هل سيفتح الباب؟ أم يكسره؟ أسئلة وترقب.. إلى أن فُتح الباب على مصراعيه وهز الحائط بعنف ودخل ضوء شديد وهواء يقترب من سرعة الرياح، لفح وجوهنا ولكنه لم يمنعنا من اتخاذ القرار! ووسط تهليل وفرحة معظم من فى الغرفة، تباينت ردود الأفعال: كثيرون، إذا لم تكن الأغلبية، هرعوا مهرولين مسرعين من الباب، يحمدون الله على انكشاف الغمة، ذاهبين لأعمالهم وتربية أولادهم والبحث عن لقمة العيش وحياة كريمة، يفتشون عن لحظات سعيدة وابتسامات مسروقة من التعب، لتنسيهم سنة من الكآبة، يتساءلون: ماذا بعد؟ لكن ما يعنيهم فعلاً: ما العمل الآن؟ والبعض وهو خارج، أخذ يفكر فى سلطة وجبروت من فتح الباب، فهؤلاء كانوا أسياد الساحة لسنوات، وعالمين ببواطن الأمور، وأصحاب النعم والمعالى، لا يتفضل أو يتكرم عليهم أحد.. فالأمر بالنسبة لهم ليس مجرد خروج ولكن سؤال أيضاً: لمن الملك اليوم؟ ولكنهم لم يجدوا كروانهم فى انتظارهم عند الخروج يصدح فى آذانهم: لك لك لك. ففى طريق الخروج أخذوا فى حوارات جانبية عن كيفية العودة لفرض نفوذهم على منقذهم، فإن كان أنقذهم بشجاعته، فهم القوة الساندة، أمس، وأبداً (أو هكذا ظنوا). وهناك فئة فضّلت البقاء فى الغرفة المغلقة، تتساءل: من فتح الباب، وماذا يريد، وماذا بعد؟ ولن نخرج من الباب إلا أن نجد إجابات عن هذه الأسئلة، ولن نترك الظلمات قبل أن تقدم لهم ضمانات والتزامات.. ألف سؤال ومائة جدال وعشرات النقاشات.. ولا إجابة واحدة! قلة من الموجودين فى الغرفة، تفتق ذهنهم عن إيجاد مسمار حاد أو مطرقة ضخمة، حتى وإن كانت ستتسلل إليهم أدواتهم المنشودة من الباب الذى فُتح أصلاً، أداة مجهولة المصدر، ليس معها شهادة جودة منتج أو صلاحية استعمال، المهم أنهم سيبدأون فى حفر باب أو شباك أو سرداب، فلا تهم شرعيته أو تصنيفه، المهم أن يكون الخروج عن طريق فكرتهم.. فى اتجاه معاكس لاتجاه الباب، وزاوية الخروج ووجهته تكون هذه المرة على هواهم. الحقيقة الثابتة مما سبق: إن كانت هناك غرفة مغلقة كريهة، جميعنا صرخنا لعام، وأن هناك.. باباً مفتوحاً. الباقى كله: اجتهادات وتحليلات وافتراضات ومقترحات ونوايا وأمانٍ وأفكار. لن نستطيع أبداً أن نلوم من اختار أن يخرج من الباب. فالباب مفتوح وإن كان الطريق غير واضح المعالم وغير جيد الرصف والتخطيط. من خرجوا، خرجوا لأن الحياة فى الخارج، بحلوها ومرها. يتمنون أن يكون الواقع أفضل والمستقبل أكثر إشراقاً ولكنهم أصحاب التزامات تجاه أولادهم أو تلاميذهم أو عمالهم.. الاختيار رفاهية، لا يمتلكها الكثيرون. والبعض ممن خرجوا عادوا ليكرروا ذات المشهد وذات الاتهامات، نسوا الواقع الذى عاشوه لمدة عام، خرجوا ليمارسوا لعبة الهدم لا البناء، للبلبلة والضجة لا الحقائق والمعلومات، وأخذوا فى البحث عن نوافذ ليطلوا عبرها من جديد، نوافذ مأجورة لملاك مجهولى النوايا. أما البعض ممن بقوا فى الغرفة فانقسموا: فئة لم تفكر بالخروج ورسم طريقها، بل جلست فى الغرفة السوداء تلوم من خرج وتصفه بالخائن والمتخاذل والجبان.وفئة رجعت تصرخ وتستغيث بالخارج.. مع أن الباب مفتوح، ولكنها تريد باباً فى اتجاه آخر بغضّ النظر عمن سيفتحه ولا ما المقابل! وأصبحنا أمام واقع جديد: ناس خارج الغرفة: إما عاملون أو مخططون، وآخرون داخل الغرفة: إما غاضبون أو نائمون! هناك فرق كبير بين الحلم والوهم.. بين السعى وراء أمنية والجرى خلف سراب، فالوهم والسراب سيستفزان طاقتنا ونجد أنفسنا فى نفس الغرفة، وقد أتت ماكينات ضخمة وجرارات عتية لهدم الغرفة، لأنها أصبحت مطمعاً لكل من حولها. ليس كلنا فقهاء سياسيين، ومحللين استراتيجيين وناشطين حقوقيين وخبراء إقليميين. ولكن الكثير منا: مزارعون.. لنزرع، معلمون.. لنعلم، أطباء.. لنعالج، مهندسون.. لنعمر. نحب مصر.. فلنحبها فعلاً لا قولاً. وللحديث بقية..