هل أعيد المفتاح إلى مكانه، وأدق المسامير المخلوعة، وأحاول أن أعيد الدرج إلى ما كان عليه قبلًا؟ لكن ماذا استفدت من هذه المغامرة؟ كان لديّ لغز فصار عندي آخر؛ لكني أعود فأفكر أن زوجي هو لغزي الحقيقي الذي ينبغي أن أحله حتى أستطيع أن أعيش معه. أحضرت الشاكوش وجلست أحاول أن أصلح الدرج وأعيد دقّ مساميره. لا يزال هناك الكثير من الوقت قبل أن يعود زوجي من المستشفى. بالطبع ليست لي خبرة بهذه الأمور؛ لكني حاولت أن أعيد دقّ المسامير في أماكنها الصحيحة، وأن أعيد تركيب القفل، لكني لا أعرف كيف سأغلق الدرج مرة أخرى؛ لأن لسان القفل مفتوح وليس معي مفتاحه. هنا خطر لي خاطر غريب.. وضعت المفتاح الصغير الذي وجدته في قفل الدرج، ولدهشتي وجدت أن المفتاح يستطيع أن يفتح القفل! ما هذا الجنون؟ شخص يُخفي مفتاحًا بداخل درج لا يفتح إلا بالمفتاح نفسه! وكيف وضع المفتاح داخل الدرج ثم أغلقه بالمفتاح؟ لعل هناك نسخة أخرى؛ لكن الأمر كله يبدو ضربًا من الجنون! ظننت أنني سأطفئ نار الفضول والشك في صدري بكسر الدرج؛ لكن النيران تأججت أكثر وأكثر! استمررت في محاولة إصلاح الدرج وتثبيت أخشابه معًا، إلى أن أصبح شكله مقبولًا، بالطبع إذا رآه سيعرف أن الدرج تم كسره؛ لكن على الأقل قد تمضي بضعة أيام قبل أن ينظر إلى الدرج ويلاحظ، والرجال في الأساس ضعيفو الملاحظة. لن يلاحظ إلا إذا أراد أن يفتح الدرج، وعندها سيجد خشب الدرج منبعجًا، والدرج نفسه غير مغلق بالمفتاح، إلا إذا نزلت لصنع نسخة أخرى من المفتاح لأغلق بها الدرج؛ بينما النسخة الأصلية بداخله. هذا حلّ جيّد! لا زال أمامي بعض الوقت قبل أن يأتي من المستشفى. سأنزل لأصنع نسخة أخرى من المفتاح وسيؤخّر هذا حدوث المواجهة لبعض الوقت. ارتديت ملابسي، وأخذت المفتاح وخرجت. وفي محل المفاتيح أعطيت العامل المفتاح وطلبت منه صنع نسخة منه. أمسكه في يده وأخذ يتأمله طويلًا؛ حتى إنني شعرت بالقلق. هناك شيء ما غير طبيعي حتمًا في هذا المفتاح، قال لي إنه لم يرَ من قبل مفتاحًا بهذا الشكل أو الحجم، وأن الماكينة لديه لن تستطيع نسخه؛ لأن حجم المفتاح غير مألوف ولا توجد لديه مفاتيح خام مماثلة لحجمه. قال لي إنه يستطيع أن يرسله إلى زميل له ليصنع لي واحدًا بطريقة يدوية؛ لكن هذا الأمر سيستغرق يومين على الأقل، كما أنه سيتكلف أكثر من المعتاد. لا أستطيع بالطبع أن أترك له المفتاح، لعل لهذا المفتاح أهمية خاصة؛ فماذا أفعل إذا ضاع؟ ثم ماذا إذا اكتشف زوجي أن الدرج مكسور والمفتاح غير موجود؟ شكرته وأخذته منه وانصرفتُ قافلةً إلى البيت. عدت أدراجي، دلفت إلى الشقة وارتميت على أقرب كرسي، أمسكت بالمفتاح وأخذت أتأمله في الضوء، إن شكله غريب فعلًا بكل هذه النقوش الدقيقة، والأغرب أنه يبدو ليّناً عند الضغط عليه، فجأة سمعت صوت مفتاح يدور في باب الشقة، قفزت من المقعد وجريت إلى المطبخ، يبدو أن زوجي قد عاد مبكرًا. كنت واقفة في المطبخ ألهث وطبول إفريقية تقرع بداخل قلبي، انتبهت إلى أن المفتاح لا يزال في يدي، تلفتّ حولي بسرعة أبحث عن شيء أخفيه فيه؛ فدسسته بداخل نصف رغيف كان على رخامة المطبخ، وأنا دائمًا ما أقطع الأرغفة إلى نصفين حتى لا تأخذ مساحة عندما أحفظها في الثلاجة. دخل زوجي إلى المطبخ في هذه اللحظة، وكنت قد تمالكت نفسي قليلًا، بدا متعجبًا عندما رآني وقد كنت لا أزال أرتدي ملابس الشارع. سألني إن كنت قد نويت الخروج؟ يبدو أنه لم يرني وأنا أدخل إلى المنزل، قلت له إنني كنت أريد الذهاب لشراء بيض، كان هذا هو أول شيء طرأ على بالي وقد قلته دون تفكير، وفي قرارة نفسي تمنيت ألا يكون هناك بيض في الثلاجة بالفعل؛ وإلا فستكون الكذبة واضحة كالشمس. أبدى دهشته وسألني: لماذا لمْ أتّصل بالسوبر ماركت كالعادة ليرسل البيض؟ قلت له: إنه دائمًا ما يرسل بيضة مكسورة أو اثنتين وسط البيض، وأنني أريد أن أشتريه بنفسي لأتأكد أنه سليم. كان الشكّ وعدم الاقتناع يبدوان في عينيه؛ لكنه لم يتكلّم، تركته وخرجت لأشتري البيض! كان يجب أن أستمر في الكذبة حتى النهاية. تبًّا! سأضطر إلى شراء باكيت البيض والسير به في الشارع إلى المنزل، وهو عمل ليس سهلًا على الإطلاق، مع الوضع في الاعتبار ثقل وزن الباكيت وصعوبة حفظ توازنه على الذراع! وبينما أنا في الطريق تذكرت فجأة أنني لم أطبخ شيئًا اليوم! لقد انشغلت تمامًا في عملية كسر الدرج، ومحاولة نسخ المفتاح، ونسيت كل شيء آخر! حسنًا إنني ذهبت لشراء البيض، سنأكل بعض البيض المقلي على الغداء؛ لأنني كنت متعبة ولم أطبخ، ولهذا نزلت لشراء البيض.. هذه حجة جيدة حقًا، كل ما أرجوه هو ألا ينتبه إلى الدرج عندما يفتح الدولاب ليغيّر ملابسه؛ الأمر الذي أستبعده من واقع خبرتي مع قوة الملاحظة لدى الرجال! عُدتُ إلى البيت ومعي البيض، كان زوجي يجلس أمام التليفزيون وفي يده ساندويتش، يبدو أنه شعر بالجوع ولم يجد الطعام جاهزًا فصنع لنفسه ساندويتشًا. لا بأس، سيكون البيض المقلي جاهزًا بعد قليل. دلفت إلى المطبخ ووضعت البيض على الطاولة، وهنا انتابني خاطر مزعج، فتشت في الخبز الموجود على رخامة المطبخ. نعم، هذا الساندويتش الذي يأكله زوجي بداخله المفتاح! هرعت إلى الصالة لأجده يبتلع اللقمة الأخيرة، وكان يتحسس حنجرته في ضيق! يبدو أنه ابتلع المفتاح دون أن يشعر! ماذا أفعل الآن؟ هل أتظاهر بالبراءة ولا أخبره بأنه ابتلع مفتاحًا معدنيًّا؟ هل أصارحه وأذهب به إلى المستشفى فورًا؟ لكن كيف سيكون ردّ فعله؟ وهل يمكن أن يؤذيه هذا المفتاح بشكل ما؟ هل سيسبب له نزفًا داخليًا، أم أنه يمكن أن يعبر الجهاز الهضمي دون أثر؟ لا أدري ماذا أفعل.
هُرعت إلى غرفتي وارتميت على السرير أبكي، أعصابي لم تعد تتحمل كل هذا التوتر، ماذا لو حدث له شيء؟ سيكون هذا من تحت رأسي وبسبب سوء تصرفي؛ صحيح أن الفضول يقتل؛ لكني لم أتخيل أن تصل الأمور إلى هذا الحد. دخل زوجي إلى الغرفة ليجدني في أسوأ حال ممكن، ودون أن يتكلم احتضنني وأخذ يمسح دموعي، أُخذت أنا بتصرفه هذا فلم أعهده حنونًا من قبل، توقفت عن البكاء، وأخذت أتفرّس فيه، لأول مرة أنتبه إلى أن عيني زوجي خضراوان، كنت أظن أنهما سوداوان. غريب! لم أكن أعرف أن زوجي وسيم إلى هذا الحد! نفس الملامح؛ لكنها أكثر لينًا وحنانًا، وكانت عيناه تتلألآن بالدمع تأثرًا لبكائي؛ لكني توقفت عن البكاء منذ زمن، وأخذت أتفرس فيه متعجبة؛ كأنه شخص آخر، ودود وحنون، أغمضت عيني ودفنت نفسي في صدره، أعتقد أننا نمنا على هذا الوضع حتى الصباح. في اليوم التالي قال إنه لا يريد الذهاب إلى المستشفى، وأنه يرغب في قضاء اليوم معي، أفطرنا بيضًا مقليًا وخبزًا مقددًا ولبنًا وعسلًا، قضينا اليوم في الدردشة، وشاهدنا فيلمًا رومانسيًّا، وفي المساء تناولنا العشاء في أحد المطاعم.
كان زوجي بصحة جيدة، لم يؤذه المفتاح كما كنت أعتقد؛ لكنه أيضًا لم يكن عديم الأثر، لقد فتح شيئًا بداخله. بعد بضعة أيام كنت أرتّب ملابسي في الدولاب؛ فخطر لي أن ألقي نظرة على الدرج الذي يقبع في قعره.. لم يكن الدرج هناك! اختفى تمامًا! تحسست الخشب؛ لكني لم أجد أية آثار لمسامير مخلوعة أو بقايا غراء، كأنه لم يكن هناك من الأصل. قررت ألا أسأل، والأكثر من هذا قررت ألا أشغل بالي بهذا الأمر بعد اليوم.