«الوطنية للتدريب» تحتفل بتخريج أول دفعة من قيادات وزارة العدل الصومالية    انخفاض طفيف في سعر الذهب اليوم عيار 21    ديوان نتنياهو: إسرائيل تعرب عن أسفها العميق لإصابة كنيسة غزة    قوات الاحتلال الإسرائيلي توسع عمليات الدهم والاقتحام في الضفة الغربية والقدس    البيت الأبيض: بدأنا تحقيقا خاصا في توقيع بايدن الآلي    صحة غزة: 58 ألفا و667 شهيدا حصيلة العدوان الإسرائيلي    بوبو وزلاكة وصابر فى قائمة بيراميدز بمعسكر تركيا    عرض ضخم من مانشستر يونايتد لضم مهاجم برينتفورد    جهات التحقيق تستدعي طفل العسلية ووالده لمناقشتهما في ملابسات واقعة ضربه بالمحلة    أمي زارتنا قبلها في المنام وبشرتني بالنتيجة.. أول ظهور للطالبة "إيمان" التانية على كفر الشيخ بالدبلومات الفنية: كان حلمها قبل وفاتها وحققته لها (صور)    البحث مستمر عن شقيقتيها.. «الإنقاذ النهري» تتمكن من انتشال جثمان طفلة من ترعة ب أسيوط    بعد تعاونهما.. حسام حبيب يهنئ رامي صبري على أغنية «بحكيلك عن الأيام»    جمال عبد الناصر يربك الجمهور بشائعة وفاة زيزى مصطفى.. أشرف زكى ينفي الخبر ويؤكد: شائعة.. منة شلبي: الحمد لله والدتى بخير وأشكر وأطمئن من قلق عليها.. وجمال عبد الناصر يعتذر ويتمنى الشفاء العاجل للفنانة القديرة    الثرثرة جزء من شخصيتها.. 4 أبراج كثيرة الكلام    ما حكم اختراق واستخدام شبكات ال«واي فاي» بدون إذن أصحابها؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    ما حكم إظهار جزء من الشعر من الحجاب؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم التحايل على شركات الإنترنت للحصول على خدمة مجانية؟.. أمين الفتوى يجيب    في الحر الشديد.. 6 نصائح ضرورية لمرضى الكلى لتجنب المضاعفات    ياسر عبد العزيز يكتب: الأهلى والزمالك والإسماعيلى نماذج واقعية لأزمات الكبار    المؤتمر: وضعنا اللمسات الأخيرة للدعاية لانتخابات مجلس الشيوخ    خاص| أشرف زكي ينفي خبر وفاة الفنانة زيزي مصطفى    الخبرة والشباب    41 شهيدا فى غارات إسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم    الجبهة الوطنية يعقد أولى دوراته التثقيفية لقيادات المحافظات ومرشحي الشيوخ    ممثلة شهيرة تنجو من الموت على طريق دهشور    مطالبات بتنفيذ خطة لدمج المشروعات الصغيرة في سلاسل التوريد الصناعية    «الصحة»: تكريم الدكتور خالد عبدالغفار بجائزة القيادة المرموقة من المجلس الأوروبي    أسواق الأسهم الأوروبية تغلق على ارتفاع وسط تقارير نتائج أعمال الشركات    وزير المالية : ندرس العودة مرة أخرى إلى «الصكوك» بعدما نجحنا في الطرح الأول لبيت التمويل الكويتي    وزارة الصحة تكشف نتائج التحاليل فى واقعة وفاة 5 أطفال أشقاء بمحافظة المنيا .. اعرف التفاصيل    وزيرة التنمية المحلية تبحث مع محافظة البحيرة مشروع تطوير المسارات والفراغات العامة بمدينة رشيد    أثليتك: نيوكاسل يحاول ضم ويسا بعد انسحابه من سباق إيكيتيكي    خالد الجندي: تقديم العقل على النص الشرعي يؤدي للهلاك    أوباميانج لاعب حر فى السوق.. القادسية يعلن رحيل الفهد الجابونى    أشرف صبحي يلتقي بوزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية    محافظ سوهاج: يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والوضع العام بقرية " المدمر "    حالة الطقس اليوم في السعودية.. الأجواء مشمسة جزئيًا في ساعات النهار    القاهرة الإخبارية: ارتفاع حصيلة شهداء كنيسة العائلة المقدسة بغزة إلى 3    شيخ الأزهر يوافق على تحويل "فارس المتون" و"المترجم الناشئ" إلى مسابقات عالمية بهدف توسيع نطاق المشاركة    وسط إقبال كثيف من الخريجين.. 35 ألف فرصة عمل في الملتقى ال13 لتوظيف الشباب    تفعيل منظومة انتظار المركبات داخل مدن الأقصر وإسنا والقرنة    انهيار أرضي في كوريا الجنوبية ومصرع 4 أشخاص وإجلاء ألف آخرين    ضبط 3 أشخاص لاتهامهم بغسل أموال ب90 مليون جنيه من تجارة المخدرات    كشف ملابسات فيديو جلوس أطفال على السيارة خلال سيرها بالتجمع - شاهد    بين التحديات الإنتاجية والقدرة على الإبداع.. المهرجان القومي للمسرح يناقش أساليب الإخراج وآليات الإنتاج غير الحكومي بمشاركة أساتذة مسرح ونقاد وفنانين    رئيس جامعة المنوفية يعقد اجتماع مجلس الدراسات العليا "أون لاين"    "IPCC" الدولي يطلب دعم مصر فى التقرير القادم لتقييم الأهداف في مواجهة التحديات البيئية    في 6 خطوات.. قدم تظلمك على فاتورة الكهرباء إلكترونيًا    سحب قرعة دوري الكرة النسائية للموسم الجديد ..تعرف علي مباريات الأسبوع الأول    هل الخوف فطرة أم قلة إيمان وعدم ويقين بالله؟.. محمود الهواري يجيب    ليفربول يقدم عرضا ضخما إلى آينتراخت لحسم صفقة إيكيتيتي    شوبير يكشف مفاجأة بشأن موعد عودة إمام عاشور لتدريبات الأهلي    إغلاق حركة الملاحة الجوية والنهرية بأسوان بسبب سوء أحوال الطقس    وفاة والدة النجمة هند صبري    فيلم «الشاطر» يكتسح شباك تذاكر السينما في أول أيام عرضه (بالأرقام)    نائب وزير الصحة يعقد الاجتماع الثالث للمجلس الأعلى لشباب مقدمى خدمات الرعاية الصحية    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: بروتوكول تعاون مع الصحة لتفعيل مبادرة "الألف يوم الذهبية" للحد من الولادات القيصرية    مقتل امرأة وإصابة 3 إثر هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية في روسيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار دورة المياه (2)
نشر في الوطن يوم 04 - 06 - 2014

لوأن هناك كائنات فضائية تنظر إلى الكرة الأرضية من بعيد لما صدقت أن هذا الكوكب الأزرق يعاني من شح المياه التي تغطي تقريبا ثلاثة أرباع سطحه. ربما لا تعرف هذه الكائنات أن 97 ٪ من تلك المياه مالحة، غير صالحة للشرب و الزراعة. ولا تشكل المياه العذبة سوى 3 ٪ فقط من إجمالي ماء الأرض. وحتى تلك النسبة الضيئلة، غير متاحة بالكامل للإستهلاك . فحوالى 70٪ منها متحجر على هيئة أنهار وجبال جليدية في القطبين الشمالي والجنوبي. كما تقبع كميات كبيرة منها في جوف الأرض على مسافات عميقة يتعثر الوصول إليها. ولا يمثل السطح المائي المتاح ( الأنهار و البحيرات) سوى نسبة تقل عن نصف في المائة من إجمالى مخزون المياه العذبة، يتنافس عليها الإنسان والحيوان والنبات. ومع زيادة عدد السكان والتوسعات الزراعية، سيزداد الطلب على موارد المياه العذبة الشحيحة أصلا مما قد يؤدي إلى مجاعات و حروب وصراعات إقليمية.
فمن البديهي إذن أن الحل الجذري لمشكلة ندرة المياه العذبة على الأرض هو الإغتراف من معين البحار والمحيطات المالحة الذي لا ينضب وتحليته بإستخدام العلم والتكنولوجيا. وكما ناقشنا في الجزء الأول من المقال تفاصيل نشأة المياه على الأرض وتأثيرها في نشأة وتطور الحضارة، سنناقش في هذا الجزء الأساليب المتبعة في تحلية مياه البحر وإقتصاديتها ومستقبلها المنظور.
تحتوي مياه البحار والمحيطات علي درجات ملوحة عالية، تزيد بمعدل 80 مرة عن القدر المسموح به دوليا لمياه الشرب، مما يستوجب فصل هذه الأملاح أولا قبل استخدام المياه في المنازل و المزارع. إلا أن فصل الأملاح من المياه المالحة ليس بالأمر اليسير، فهو يحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة لا تستطيع الدول النامية تحمل تكلفتها. كما أنه لم يعد من الممكن التوسع في التقنيات التقليدية التي تستخدم الوقود الأحفوري (البترول ومشتقاته) لما تسببه من أضرار بالغة بالبيئة. فبات من الضروري تطوير نظم طاقة نظيفة ورخيصة نسبيا مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية وغيرها لتحلية المياة المالحة. "لو إستطعنا أن نأتي بوسيلة رخيصة لتحلية مياه البحر، تُستخدم علي نطاق واسع، فسنكون قد قدمنا للبشرية أهم مكتشف حضاري في التاريخ، تتقزم إلي جواره كل الإكتشافات العلمية الأخرى" .. على حد تعبير الرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي.
يرجع تاريخ تحلية المياه إلى عصر ما قبل الميلاد، حين وصف أرسطو طريقة لتبخير المياه الغيرنقية ثم تكثيفها للحصول علي مياه صالحه للشرب. و بحلول العام 200 ميلاديا كان البحارة اليونانيون يقومون بغلي مياه البحر في مراجل نحاسية على أسطح السفن، ثم يعلقون قطع كبيرة من الإسفنج علي فوهاتها لتمتص ما يتصاعد من بخار ماء. و يتم بعد ذلك تجميع المياه النقية عند طريق اعتصار وتصفية قطع الأسفنج المبللة. وتنطوي هذه الطريقة على الفكرة الرئيسية المستخدمة حتي الأن في أكثر طرق تحلية المياه شيوعا وهي طريقة التقطير. حيث يوقد على ماء البحر حتى يغلي و يتبخر ثم يتم تكثيفه على أسطح باردة ثم تُعالج المياه العذبة و تُجمع في خزانات ضخمة. وتستهلك عملية تسخين المياه كمية كبيرة من الطاقة، يستخدم فيها الوقود الأحفوري ( البترول ومشتقاته) و الكهرباء أو المفاعلات النووية أحيانا. وتلك الطريقة هي الطريقة المفضلة لدى الدول التي يتوفر فيها الوقود الأحفوري بتكاليف زهيدة ( مثل دول الخليج). أما الطريقة الأخرى الناشئة حديثا فهي طريقه التحلية بإستخدام الأغشية المنفذة وتسمى أحيانا بطريقة النضح العكسي. وهي طريقة أقل كلفة من طريقة التقطير حيث أنها لا تتضمن تسخين الماء مطلقا وإنما يدفع بالماء المالح تحت ضغط عال خلال أغشية (فلاتر) غير منفذة للأملاح، لينضح الماء النقي منها مخلفا ركاما من الأملاح، التي يمكن إعادة تدويرها لأغراض تجارية أو صناعية. وتستخدم تقنيات النانو حاليا في تطوير هذه الأغشية لزيادة كفاءتها وإطالة عمر تشغيلها. تستخدم هذه الطريقة على نطاق واسع في الدول المتقدمة التى تتنجب التوسع في طريقة التقطير بسبب إرتفاع تكلفة الوقود الأحفوري والأضرار البيئية الناتجة عنه. أما الطريقة الأقل شيوعا فهي طريقة التحلية بالتجميد.و يتم فيها تجميد مياه البحر عند درجات حرارة مقاربة للصفر ثم فصل الثلج ميكانيكيا عن المحلول المالح وإعادة صهره للحصول على المياه العذبة. إلا أن هذه الطريقة لا زالت شديدة التعقيد وعالية الكلفة ولم يتم اعتمادها على نطاق تجاري حتي الأن.
تبلغ تكلفة إنشاء محطة التحلية التي توفر سنويا حوالي عُشر (واحد من عشرة) مليار متر مكعب من المياه العذبة ،ما يقارب 500 مليون دولار. ويبلغ تكلفة تحلية المتر المكعب ( 1000 لتر) حوالي نصف دولار أمريكي في المتوسط، إن أستخدمت طريقة الأغشية ( النضح العكسي)، أما إذا أستخدمت طريقة التقطير ذات الإستهلاك الكثيف للطاقة، فإن هذا التقدير يتضاعف ليصل إلى دولار أو يزيد. لذا فمن الواضح أن طريقة النضح العكسي هي الطريقة التي سيعمل العلماء علي تطويرها في المستقبل المنظور.
تبلغ إحتياجات مصر من المياه العذبة حوالي 66 مليار متر مكعب سنويا، يُستهلك 60 مليار متر مكعب منها في الزراعة و6 مليار متر مكعب في الشرب والإستخدمات المنزلية. يوفر نهر النيل ( حتى الأن!) حوالى 55 مليار متر مكعب، يضاف اليها حوالي 6 مليار متر مكعب من المياه الجوفية. وبهذا نجد أن هناك عجزا لا يقل عن 5 مليار متر مكعب سنويا. ويا للعجب، فها هي مصرهبة النيل باتت علي مشارف فقر مائي يهدد إستقرارها و أمنها القومي.
ولا أستطيع أن أنفض بعيدا حقيقة أن دولة صغيرة مجاورة لمصر قد إنتصرت على فقرها المائي في سنوات قليلة، ثم شرعت في تصدير ما فاض عن إحتياجاتها من المياه العذبة. تم ذلك بجهود ذاتية خالصة، حين جيشت الدولة علماءها ومهندسيها وإقتصاديها لتطوير تكنولوجيات تحلية رخيصة باستخدام طريقة الأغشية(النضح العكسي). وتقبع الآن بالقرب من حدودنا الشرقية، أكبر محطة تحلية مياه في العالم وأقلها تكلفة من حيث التشغيل والصيانة، تتضافرت فيها جهود العلماء مع إمكانيات الدولة والقطاع الخاص.
إن مشروعا قوميا لتطوير وإبتكار أساليب رخيصة لتحلية مياه البحر قد يضع مصر في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال. لو إستطعنا أن نأتي بوسيلة رخيصة لتحلية مياه البحر، تُستخدم علي نطاق واسع، فسنكون قد قدمنا للبشرية أهم مكتشف حضاري في التاريخ، تتقزم إلي جواره كل الإكتشافات العلمية الأخرى .. على حد تعبير الرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي. فهل من الممكن أن يحقق المصريون تلك النبؤة ويأتوا بطريقة جديدة لتحلية مياه البحر، تذهل العالم وتضيف هرما رابعا إلى أهرامهم الثلاثة؟
إن أردنا أن نشغل مكانا عليا بين الأمم وأن نحقق تقدما وسبقا، فلا مناص لنا من أن يكون إقتصادنا قائم على العلم والمعرفة فهذا هو السبيل الوحيد للنهضة والرقي.
*أستاذ الفيزياء الحيوية المساعد بجامعتي القاهرة وجنوب إلينوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.