أولا: تحلية المياه المالحة وفي ظل الوضع المتردي والشائك المتعلق بمشكلة المياه العذبة، وبالإضافة إلى كل ما سبق من وسائل العلاج، فلابد أن نتجه وبفاعلية نحو تحلية المياه المالحة، بالتوسع في هذا الاتجاه، لاسيما في المناطق الساحلية والقريبة من البحر المتوسط والبحر الأحمر، لإمداد المناطق السكنية والسياحية والفنادق بالمياه المحلاة، وكذلك تعمير الصحراء المصرية الشاسعة بالزراعات المختلفة، من خلال هذه المياه باستخدام وسائل الري الحديثة في هذه المناطق.. ومن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل المياه المالحة على هذا الكوكب من الكثرة بمكان، حيث تمثل 97% من إجمالي المياه الموجودة على الأرض.. تلك المياه التي تعد مخزوناً استراتيجياً، تشتمل على نسبة من الملح مقدارها 3.5%، وهذا الملح هو نعمة من الله -عز وجل– ذلك أنه هو المادة الحافظة التي تمنع فساد هذه الكميات الضخمة من المياه وغيرها من الفوائد المكنونة في هذا الملح.. وتعني تحلية المياه أي تحويل المياه المالحة إلى مياه نقية خالية من الأملاح صالحة للاستخدام. ويتم ذلك عبر طرق عديدة للتحلية (التقطير، والتجمد، والتناضح العكسي، وعملية الفرز الغشائي الكهربائي (الديلزة) ومراعاة عوامل مهمة منها: أولا: نوعية مياه البحر ( تركيز الأملاح الذائبة الكلية): تصل كمية الأملاح الكلية المذابة إلى درجات مختلفة، فعلي سبيل المثال في مياه الخليج العربي تصل إلى حوالي 56000 جزء من المليون في الخُبر كما أنها تتراوح ما بين 38000 إلى 43000 جزء من المليون في مياه البحر الأحمر بمدينة جدة. ثانياً: درجة حرارة مياه البحر والعوامل الطبيعية المؤثرة فيه: ويجب مراعاة ذلك عند تصميم المحطات حيث إن المحطة تعطي الإنتاج المطلوب عند درجة الحرارة المختارة للتصميم، بحيث لو زادت أو انخفضت درجة الحرارة عن هذا المعدل، فإن ذلك يؤثر على كمية المنتج بالزيادة أو النقصان، أما العوامل الطبيعية المؤثرة فتشمل المد والجزر وعمق البحر وعند مأخذ المياه وتلوث البيئة. ثالثاً: تكلفة وحدة المنتج من ماء وكهرباء: وذلك بمتابعة أحدث التطورات العالمية في مجال التحلية وتوليد الطاقة للوصول إلى أفضل الطرق من الناحية الاقتصادية من حيث التكلفة الرأسمالية وتكاليف التشغيل والصيانة (كما قال مفتاح سريح في بحثه تحلية المياه المالحة). ويرى الدكتور محسن أحمد الخضيري الخبير الاقتصادي: أنه على عمق (مائة متر) من سطح المياه المالحة تكون جميع المياه صالحة للشرب، وبالتالي فإن ملوحة المياه السطحية تخفي تحتها حلاوة المياه العذبة.. وعلينا أن ندرك جيدا أن نظم تحلية المياه الحديثة التي تعتمد على نظرية (التناضح العكسي) يمكنها أن تولد كميات ضخمة جدا من المياه الصالحة للشرب والري والزراعة، وبما يكفي لسد احتياجاتنا من المياه، ولكن للأسف لم يتم حتى الآن استثمار تلك النظم. ويطالب العالم المصري الدكتور فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن الأمريكية برصد الدعم المالي اللازم للتغلب على مشكلة المياه بالوسائل العلمية الحديثة، موضحا أن نظم تحلية المياه الحالية تظل ملوثة للبيئة؛ لأن الشركات لا تطورها، ومن ثم فلابد توظيف تقنيات الطاقة الشمسية في عمليات التحلية... فالبلدان العربية وخصوصا مجلس التعاون الخليجي تملك أكثر من نصف تكنولوجيا تحلية المياه في العالم، والشركات الأجنبية صاحبة هذه التكنولوجيا تبيع فقط دون أن تنفق دولارا على أبحاث تطوير هذه التكنولوجيات حتى أصبحت تكنولوجيات قديمة، تستهلك طاقة عالية وملوثة للبيئة الموجودة بها، والأجدر لعلمائنا أن يقوموا بتطوير هذا المجال بفكرهم لأن القضية قضيتهم، وعلى العلماء أن يقدموا للقادة المشكلات التي يمكن حلها بالعلم، واحتياجات ذلك للمال، ومن ثم فمعظم مشكلاتنا يمكن حلها بهذا الدعم وهذه الثقة. والطاقة الشمسية طاقة نظيفة في عالم يعاني من التلوث، وحظنا كبير منها ولكننا حتى الآن لا نجد أحدا يفكر في استغلالها كمصدر طاقة نظيف لتحلية المياه مثلا، رغم أن المجتمعات الشمسية في العالم تستغل 15 في المائة فقط من الطاقة الشمسية الساقطة عليها، فلماذا لا نرصد لعلمائنا المال اللازم لعمل البحوث العلمية للوصول بهذه النسبة الى 80 في المائة مثلا، ووقتئذ سنملك تكنولوجيا مهمة في العالم وسنبيع منها بأضعاف ما أنفقنا عليها. إن العلم استثمار مضمون، فقط يحتاج إلى الثقة، والكوادر موجودة ونحتاج فقط إلى المبادرة وخطة العمل (انظر: جريدة الشرق الأوسط يوم الجمعة 4 ربيع الاول 1425 ه 23 ابريل 2004 العدد 9278..). وقد حبا الله مصر موقعا جغرافيا متميزا تطل من خلاله على البحرين: (الأبيض والأحمر)، ويتميز بسطوع الشمس عليه طوال العام، مما يدعونا إلى تعظيم الاستفادة من هذه الثروة الكبيرة من المياه ومن الطاقة الشمسية؛ لتعويض نقص المياه، من خلال التوسع في برامج تحلية المياه، عن طريق: 1. أن تولي الدولة هذه القضية اهتماما كبيرا وتعتبرها قضية قومية، وتوفر الدعم اللازم للأبحاث الخاصة بتطوير تقنيات التحلية.. 2. الاستفادة من تجارب وخبرات دول جنوب شرق آسيا واليابان وفرنسا ودول الخليج العربي التي نجحت نجاحا مبهرا ومتميزا في ذلك، ونزلت بسعر تحلية المياه إلى نصف دولار للمتر المكعب، وبالفعل يمتلك الوطن العربي الآن 6.% من محطات تحلية المياه في العالم –كما سبق-،3.% منها في المملكة العربية السعودية فقط. 3. توجيه الباحثين والدراسات البحثية المعمقة والمؤطرة والإنفاق عليها بما يناسب أهميتها الإستراتيجية، لخدمة قضية تحلية المياه المالحة، وتحفيز المتخصصين في هذا المجال من خلال عمل مسابقة كبرى بينهم في مجال تكنولوجيا التحلية، وتكريم المتميزين الذين يثروا هذا المجال، بجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية، وعقد الندوات والمؤتمرات وورش العمل بصورة دورية لدراسة هذا المجال بجدية، واستضافة الخبراء في هذا المجال لتدريب كوادرنا، وإرسال البعثات للاطلاع على الجديد في هذا المجال، ودراسة تأثير محطات التحلية والقوى الكهربائية والوقود المستخدم على البيئة البحرية والجوية وعلى البيئة بشكل عام، وطرح البدائل التي تحافظ على البيئة من التلوث باستخدام الطاقة الشمسية والتوسع فيها... 4. العمل على تشجيع توطين تكنولوجيا صناعة معدات التحلية وموادها وقطع الغيار في بلادنا. 5. تدريب الكوادر المصرية على تطوير تصميم وحدات التحلية الحرارية والغشائية والدمج بينهما، وخبرات التشغيل والصيانة وإدارة محطات التحلية. 6. توجيه الاستثمار في قطاع تحلية المياه، وتشجيع القطاع الخاص ورجال الأعمال للدخول بقوة وفاعلية في هذا المجال، على أن تقدم الدولة لهم كافة التسهيلات التي تضمن النجاح والبقاء، وتفعيل تبادل الخبرات في مجال تطبيقات الخصخصة في قطاع التحلية بين الدول العربية، والتركيز على تطوير الأنظمة والتشريعات التي تسهل ذلك لتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال. 7. تطبيق الأساليب والتقنيات الحديثة في أنظمة نقل المياه بما يحقق تحسين كفاءتها وتقليص كلفتها. 8. إدراج تعليم تخصص هندسة تحلية المياه في برامج كليات العلوم والهندسة بكافة الجامعات المصرية وأهمية تكثيف البرامج التدريبية للعاملين في تلك القطاعات. 9. استنباط واستحداث أصناف من الزراعات تعتمد على هذه المياه. ثانيا: الاتجاه إلى البحر والاستفادة من ثرواته ففى ظل محدودية المياه وتلوثها وسوء إدارتها.. وفى ظل مشكلة عدم مواكبة المساحة الزراعية لعدد السكان المتزايد في مصر.. وفى ظل افتقار 854 مليون شخص من البشر فى الدول النامية إلى الوجبات الكافية والملائمة، ويعانون من سوء التغذية بشكل خطير.. فى هذه الظلال جميعها نعتقد أن الرقعة الزراعية ومساحات المراعى في العالم لن تستطيع - مهما توفرت لها إمكانات الاستغلال الأمثل - أن تفي بحاجات هذا الازدحام الرهيب من الأفواه المطالبة بالغذاء، والمتزايدة كالطوفان عاماً بعد عام، وليس أمامنا إلا البحر نأخذ منه.. فرياح الأمل تهب من البحار، ذلك أن البحر مخزن عظيم لأنواع الطعام المختلفة.. فالبرغم من أن الدراسات الحديثة أثبتت أن البحر في حالته الطبيعية ينتج -في كل جزئية منه- بقدر ما تنتج اليابسة، إلا أن الإنسان لا يأخذ من مصادر المياه المالحة سوى واحد في المائة تقريباً من حاجاته الغذائية.. ومن ثم فَلِمَ لا نحاول بكل طاقاتنا وإمكاناتنا أن نتجه إلى البحر، ونعامله بالأساليب الحديثة كمزرعة عظيمة تعطى الأمل الكبير في انفراج أزمة الغذاء، وتسعد ملايين الجوعى والمحرومين؟!(انظر: البحر كنوز وأسرار). إن الخالق العظيم يرشدنا إلى ما وهبه وحباه لنا من النعم الجليلة والخيرات العظيمة فى البحار، قال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 14]، ومن هنا فلابد أن نتجه بكل مقوماتنا إلى البحر، لنعتمد على خيرات الله فيه.. * * *