أولاهما: كنت قد تحدثت فى العمود السابق وأنا أشير إلى ملاحظاتى على خطاب الرئيس فى إيران وكان نص الفقرة السابعة من الملاحظة هكذا (عندما قال الرئيس مرسى إن الأمر فى سوريا يحتاج إلى تدخل خارجى، أعتقد أنه جانَبه الصواب فى ذلك -مع حسن ظننا به- لأن هذا ربما يُفهَم منه خطأ إعطاء الضوء الأخضر لتدخل حلف الناتو فى سوريا والذى كنت أرجوه أن يقول تدخلا عربيا وإسلاميا... الخ)، وقد أحدث هذا «الملحظ» جدلا بين القراء ما بين مؤيد ومعارض ولكننى شعرت بنتيجته عندما عدّل السيد الرئيس فى خطابه الأخير فى جامعة الدول العربية على نحو ما أشرت إليه وأشار صراحة إلى نص ما أشرت إليه فقال إن الأمر فى سوريا يحتاج إلى تدخل عربى وإننا لا بد أن نقود نحن حل الأزمة فى سوريا، حتى إن شخصية عربية معروفة محليا ودوليا تحدث إلىّ وكان قد قرأ هذا العمود وقال لى كلاما معناه أن الرئيس قد أشار إلى ما أشرت إليه فى جريدة «الوطن»، ثم أردف قائلا: هل تحدثت مع مسئول فى الرئاسة بخصوص هذا الشأن قبل إلقاء الرئيس خطابه الأخير؟ والحقيقة التى ينبغى أن أذكرها أننى عندما ذكرت ذلك فلحساسيتى المفرطة تجاه هذا الموضوع وأنا أعلم يقينا أن الرئيس لا يريد تدخل الناتو فى سوريا ولكننى أردت أن يكون الأمر واضحا وضوح الشمس فى رابعة النهار فيقول إن الأمر يحتاج إلى تدخل عربى وليس خارجيا صراحة وقد تمت الاستجابة -والحمد لله- ولا يهمنى هل هى استجابة من الرئيس لما كتبته ام أن هذا الأمر جاء تلقائيا؛ فكل ما يهمنى هوتحقيق الهدف وأننى أصبت كبد الحقيقة وأن ما دار فى ذهنى دار بخلد الرئيس ولعل ذلك من قبيل توارد الخواطر وأن ما أقدمت عليه لم يكن بدعا. ثانيتهما: أن الغرب لن يتدخل لوقف المذبحة السورية حتى لو أباد النظام الشعب عن بكرة أبيه وإذا تدخل فإنما سيتدخل للحفاظ على هذا النظام، وسندى فى ذلك أن الخصوم قد اجتمعوا على أن بقاء هذا النظام فى صالحهم فهذا النظام يعتبر حليفا استراتيجيا للصين وروسيا ويربحون من ورائه أموالا طائلة لاسيما فيما يتعلق بشراء هذا النظام الأسلحة منهما. أما أمريكا وإسرائيل فغير منزعجتين من هذا النظام بعكس ما يتصور البعض، فإسرائيل تسلمت من هذا النظام الجولان تسليم اليد باليد، وإسرائيل هى التى أعانت حافظ الأسد على الانقلاب الذى أتى به رئيسا لسوريا، وقد رسم لنا رسام الكاريكاتير المعروف مصطفى حسين صورة حافظ الأسد وهو يحمل زكيبة تتساقط منها الدولارات وهو عائد بعد تسليم الجولان لدولة الكيان الصهيونى وكان وزيرا للدفاع وقتها، ويساندنى فيما أشرت إليه من أدلة أن هذا النظام لم يطلق دانة واحدة على إسرائيل منذ حرب 73 بل هناك جنود سوريون أحيلوا إلى المحاكمة من قبل هذا النظام لأنهم أطلقوا رصاصا على جنود إسرائيليين فى حرب 67. وقد يسأل سائل أليس هذا النظام هو الذى يدعم حماس ضد إسرائيل؟ والجواب أن نظام الأسد له منهج يتبعه وهو الإيهام بأنه ضد إسرائيل وأنه منهج الرفض والصمود والتصدى. والذى أود أن أقرره فى نهاية حديثى هو أن ما يقوم به النظام الدموى -الآن- فى سوريا ليس بمستغرب منه بل هو الطبيعى والمتوقع من هذا النظام عند حدوث أى نداء للحرية وطلب للكرامة الإنسانية بل هذا النظام عنده استعداد لإبادة الشعب كله فى مقابل بقائه هو وليس أدل على ذلك من مذبحة حماة سنة 82 التى راح ضحيتها من عشرة آلاف إلى أربعين ألف قتيل ناهيك عن التعذيب والتهجير والعجب أننا ما زلنا نقول إن النظام السورى عنده فرصة للحل فواعجباه ممن يصالح بين الذئب والغنم!