ظهره محنى، وجسده نحيل كالصنارة التى يمسكها بين يديه، يرتدى قبعة يحمى بها رأسه من أشعة الشمس، يجلس بالساعات فى مكانه لا يتحرك، وفجأة يبتسم ويشد بكلتا يديه صنارته التى تخرج بسمكة تتحرك يميناً ويساراً. يضحك محمد سرور الخرادلى، وتختلط ضحكته بسعال شديد عندما يرفع صنارته فيجد فيها سمكة صغيرة، وقتها يعيدها إلى المياه ويكتب لها الحياة من جديد آملاً أن تصطاد صنارته سمكة كبيرة. أكثر من 55 عاماً قضاها الرجل السبعينى فى صيد السمك: «المهنة دى علمتنى الصبر، وإنى أكون مؤدب وسط المجتمع، واتعلمت الصمود، وتفكيرى بيكبر من كتر الأخد والعطا مع نفسى على البحر، وعمرى ما حسيت بالوحدة وأنا قاعد باصطاد لوحدى عشان دايما معايا ربنا». رحل الملك فاروق، وجاء عبدالناصر، والسادات، ومبارك، ومرسى، وعدلى منصور.. تغيرت البلاد والأنظمة، ولا يتغير «عم سرور» الذى يجلس نفس الجلسة يومياً لا يكل ولا يمل، حتى صنارته من النوع القديم: «البوص ده هندى، أنا الوحيد اللى باصطاد بيه فى إسكندرية، بقاله معايا 22 سنة، باحب البوص ده وماباحبش أغيّره». يسرح «عم سرور»، وهو ينظر إلى موج البحر: «فرق كبير طبعا بين زمان ودلوقتى، بعد السبعينات بقى فيه جشع، والقلوب اتغيرت، دى العيشة كانت ميه ميه، صحيح القرش كان قليل لكن كان بيكفى، لكن شباب اليومين دول مظلوم، لأنه مداقش ومشافش العز اللى عشناه زمان». أكثر البلاد التى يحبها «عم سرور» بعد مصر هى اليونان: «أحلى بلد فيهم لأن فيها روح المصريين، وكان ليا صحاب يونانيين، شبه المصريين بالظبط، وكانوا يحبونى أوى». تتكون أسرة «عم سرور» من زوجة و6 بنات أنفق عليهن من فلوس الصيد: «أنا أخدت من البحر خير كتير، وأديته عمرى، 55 سنة، دلوقتى نقابة الصيادين بتدينى 353 جنيه، ومع أنه مبلغ ضئيل جدا، إلا إنى راضى، أمال إيه مش أنا صياد؟!!».