استيقظت فجأة وكأنني أنهض من عالم المجهول، ونظرت حولي بفزع بالغ، وقد أُضيئت غرفتي بضوء لم أعهده عند استيقاظي من قبل، ونظرت لنافذة غرفتي فإذا بأشعة الشمس تتخللها، ثم حوّلت نظراتي المذهولة لساعة "موبايلي" الملقى جانبًا، فشهقت وكأنني أرى ثعبانًا ثم قفزت بمرونة يحسدني عليها الكثيرون، وانطلقت بكل ما أوتيت من قوة أعدو نحو الباب لأفتحة بلهفة وفزع، وعقلي لا يستوعب أبدًا تلك اللحظة.. من؟ أين؟ كيف ولماذا؟. أخذت أهذي وأنا لا أعرف ما حدث وما سوف يحدث؟ "امتحانات الولاد.. ميعاد المدرسة.. اجتماعات جوزي.. محاضرات أحمد"، وفي طريقي لمعرفة الحقيقة تعثرت على وجهي مرتين أو ثلاثة وأنا أتساءل عن مصير كل هؤلاء، وقد فات الميعاد "وبقينا بُعاد" عن اللحاق بأي شيء من هذه الواجبات اليومية، وما أن وصلت لغرفة المعيشة وسمعت صوت ضحكات الأولاد ووالدهم؛ حتى أصابتني الدهشة تمامًا، وكأنني أحلم أو بالأحرى في كابوس. دخلت إليهم بعينين ذاهلتين، وشعر مشعث، وأنفاس متلاحقة، وقد ظهرت على ذراعي وقدماي آثار الرضوض، ورحت أصيح بكلمات مبهمة بالكاد استطاع الجميع فكّ طلاسمها "هو ايه اللي حصل.. انتو بتعملوا ايه.. الساعة كام.. الامتحانات امتى؟"، ونظر إليّ الجميع بدهشة ثم انفجروا بعدها في عاصفة من الضحك، ونظرت لصورتي المنعكسة في المرآة، وبدت ملامحي بلهاء وشعري مشعثًا ووجهي مضحكًا للغاية. فهمت دون حاجة للشرح.. كان يوم عطلة ونمت فترة ما بعد الظهيرة من شدة تعبي، واستيقظت وقد فقدت الزمن، وظننت أنني نسيت مواعيد أولادي وزوجي؛ ولأنني الميقاتي وساعة "بيج بن"، والمسؤول الأول والأخير عن المواعيد في هذا البيت، فكان عليّ أن أكون يقظة دائمًا، ومنتبهة طوال الوقت، وظل الضحك لدقائق طويلة وأنا أراقبهم بدهشة تحولت لغيظ، وانقلبت لبركان وأنا أرى زوجي يسقط على ظهره من شدة الضحك، وهو يشير إليّ تمامًا كما لو كنت مهرجًا أو "بليتاشو" في سيرك قومي. تركتهم يضربون أكفهم ضحكًا وقررت الانتقام، وأنا أتذكر كيف يترك زوجي هاتفه بالشاحن، ولا يكلّف خاطره عناء ضبطه للصباح، وكذلك أولاده وهم يثقون كل الثقة في ساعتهم التي لا تتوقف، ومنبههم الذي لا يعطل أبدًا، والمتمثل في شخصي أنا، ونمت لأول مرة في الليل ملأ جفوني، فلم أضبط منبهي ولم أفكر لحظة فيما سيحدث لمواعيد الغد، وأحسست بخيوط الصباح تدغدغ عيناي، وسمعت بعدها أصوات متضاربة، وشهقات محمومة، ودفعات لأبواب مغلقة، وأخرى مفتوحة. فتحت عيناي وأنا أنظر حولي، وإذا بالجميع فوق رأسي ونظرات الغضب تملأ كل العيون بما فيهم عيني زوجي، وقد كانتا بالأمس مستغرقتان في الضحك، وتضاربت الأصوات "ميعاد المدرسة.. امتحاني.. الاجتماع يا هانم.. الباص فاتني"، فرفعت رأسي عن الوسادة بلا مبالاة وقلت لهم وأنا أدفعهم بكل برود: "وايه يعني.. تتعوّض.. راحت عليّه نومه.. من هنا ورايح كل واحد يظبط موبايله"، عندها وصلت الرسالة وتمّ تأديب الجميع، وأحسست براحة عجيبة في اليوم التالي، وخاصة عندما أيقظت ابني الكبير ليلحق بمحاضرات الجامعة، وخاصة عندما انكبّ على يدي يقبلها وهو يقول بكل أدب واحترام: "ربنا يخليكي لينا يا ماما".