التنمية هى التحدى الأكبر الذى يواجه مصر، سننتصر على الإرهاب مهما طال الزمن، هذا أمر مؤكد، لكن سيظل الفقر والتخلف ونقص الموارد مشكلات تواجهنا. يمكنك أن تقتل الإرهابى برصاصة فى رأسه، لكن لا يمكنك هزيمة الفقر وإنهاض المجتمع بالضغط على الزناد. سنهزم الإرهاب بجهد وزارتى الداخلية والدفاع، لكننا لا نهزم الفقر والتخلف إلا بجهد كل وزارات وإدارات مصر. سننتصر على الإرهاب بتدريب وتجهيز بعض من أبنائنا فى أجهزة الدفاع والأمن، لكننا لن ننتصر على الفقر إلا بتدريب وتجهيز أبنائنا داخل الدولة وخارجها. علينا أن نتعلم من تجارب الدول الناجحة فى هزيمة الفقر والتخلف، لكن علينا قبل ذلك التعلم من تجاربنا، ولدينا الكثير منها. لن أتحدث عن الناجح من تجاربنا فى التنمية، فهى ليست كثيرة، ولكنى سأتحدث عن الفاشل منها، فهى أجدر بالتعلم منها حتى نتجنب تكرارها. لا لإهمال الفقراء ولا لاحتكار الثروة: هذا هو الدرس الأول. لقد أهمل النظام الملكى الفقراء، واحتكرت الأقلية ثروة البلاد، فأسقط الجيش النظام فى عام 1952. عاد مبارك لإهمال الفقراء وتركيز الثروة فأسقطه الشعب فى 2011. سقوط أنظمة الحكم هو دليل فشل، ولا نريد لنظام حكمنا أن يفشل مرة أخرى. لا لغياب الأولويات: لكل شىء فى الحياة تكلفة، حتى الإبقاء على الحياة نفسها له تكلفة تتمثل فى توفير مستلزمات السلامة والصحة والأمن. ولأن الموارد محدودة ولا يمكنها أن تغطى كل الاحتياجات، فعلينا أن نتفق على الكيفية التى سننفق بها مواردنا المحدودة. لم ننجح عندما حاولنا إنجاز كل شىء فى وقت واحد، وعلينا أن نتفق على أوجه الإنفاق التى يجب أن تكون لها الأولوية على غيرها. هل الأولوية تكون للإنفاق على أنشطة تساعد على توليد مزيد من الثروة الحقيقية والدخل، أم على سد حاجات المحتاجين منا؟ هل نخصص مواردنا المحدودة للإنفاق فى مجالات يظهر عائدها بعد سنوات طويلة، أم فى مجالات تدر عائداً سريعاً؟ مشكلاتنا كثيرة ونحتاج للعمل على كل الجبهات، لكن تحديد الأولويات يعنى تحديد المجالات التى ستحظى بالتركيز أكثر من غيرها. شخصياً، أفضّل تخصيص الموارد المحدودة المتاحة للأنشطة المنتجة التى تزيد حجم الثروة الوطنية، وعلى تلك التى تدر عائداً سريعاً حتى لا نظل طويلاً محشورين فى عنق الزجاجة الراهن. لا خدمات بدون موارد: لقد حارب عبدالناصر الفقر عبر تحميل الدولة مسئولية تعليم الفقراء وعلاجهم وتوظيفهم وتوفير الغذاء والوقود الرخيص لهم. نجحت سياسة عبدالناصر لفترة قصيرة بعد أن امتلكت الدولة المصانع وشركات التجارة والبنوك وشركات التأمين المؤممة، لكنها سرعان ما فشلت بعد أن عجزت الدولة عن تحمل كل هذه التكلفة. نقص الموارد هو ببساطة وصدق السبب الرئيسى لتدهور التعليم والعلاج والخدمات الحكومية، وبتدهورهما انهار -أو كاد- كل شىء آخر فى البلاد. على الدولة أن تحمّل نفسها فقط بالالتزامات التى تستطيع مواردها أن تتحملها. خدمات أقل لكن أفضل: تقديم الخدمة للفقراء ليس فقط واجباً للدولة، ولكنه أيضاً حماية لها. أما إذا كانت موارد الدولة لا تغطى كل الخدمات، فلتنفق مواردها المحدودة على عدد قليل من الخدمات حتى تستطيع أن تقدمها بشكل أفضل. وبنفس المنطق، إذا كانت الدولة لا تستطيع أن تقدم الخدمة لكل الناس بجودة عالية، فلتقدمها فقط لبعضهم دون التضحية بالجودة. فإذا كانت الدولة لا تملك الموارد التى تمكنها من تقديم تعليم جيد لكل المستحقين، فلتكتف بتقديم تعليم جيد لبعض المحتاجين، فبدلاً من أن تمنح الجميع تعليماً متواضعاً لا يفيد أحداً، ولا يؤدى سوى إلى إهدار الموارد، فلتعلّم بعضهم فقط تعليماً جيداً حتى ينتج نظامنا التعليمى خبرات حقيقية تدفع التنمية، وتساهم فى خلق موارد جديدة يستفيد منها الكافة. أهمية الارتقاء بمستوى الخدمات التى تقدمها الدولة أكبر من مجرد الضرورات الاقتصادية، فالدولة هى التى تحدد للمجتمع المعايير التى يجب أن تسود، وهى التى تعلم الأفراد وتلزمهم بهذه المعايير. وعندما يتدهور أداء الدولة فى المدرسة والمستشفى والمصلحة الحكومية، يحدد هذا المستوى المتدهور من الأداء مستوى المعايير المقبولة فى المجتمع، فيتدهور معه مستوى الأداء فى القطاع الخاص وبين الحرفيين وأصحاب المهن، ويدخل المجتمع كله فى حلقة جهنمية من التراجع. الدولة مسئولة عن الوطن والمجتمع، والمواطن مسئول عن نفسه: فمسئولية الدولة تتسع لتشمل مصير الوطن ومجموع المواطنين، لكن هذا لا يعنى تحملها المسئولية عن كل مواطن فرد على حدة، إنما يعنى قيامها بما يتيح للأفراد تحمل مسئوليتهم الأخلاقية عن أنفسهم وذويهم. فلتوفر الدولة تعليماً راقياً للمواطن، لتترك له بعد ذلك اختيار الطريقة التى يوظف بها ما تعلمه لخدمة نفسه، ولتوفر الدولة نظاماً قانونياً وإدارياً يحمى الملكية والاستثمار ويشجع عليهما، ليستفيد المواطن من عائد استثماراته، أو يتحمل نتيجة القرارات الخاطئة التى قد يتخذها. ما لم نفعل ذلك فإننا نعفى الفرد من تحمل المسئولية عن نفسه واختياراته وأفعاله ومصيره، والتى بدون تحملها يكف عن أن يكون إنساناً، فنخلق مجتمعاً من العاجزين نفسياً وأخلاقياً، المكتفين بوضعية «العالة» المدمرة للقدرة على المبادرة والابتكار، والقاتلة لاحترام الذات والاعتزاز بها. تربية المواطن على الإفراط فى الاعتماد على الدولة أضعفت لديه القدرة على تحمل المسئولية، فتكونت لدى كثير منا أخلاق وقيم مدمرة، بدءاً من ضعف القدرة على تطوير الذات وسد نواقصها، انتهاءً بالانتظار السلبى لإحسان أهل الخير، أو التنطع عليهم وابتزازهم إن لم يدفعوا من تلقاء أنفسهم.