لم أجد معنى لتنطع المتنطعين المتقعرين من أصحاب الدكاكين الخاصة بحقوق الإنسان، ومن يُلحقون أنفسهم بالنخبة، من هوجة تحاملهم الغريب على الشرطة والجيش، وزعم كاذب مفتعل بالعنف المفرط، سوى أنهم يرون أنه واجب على الجندى والضابط أن يستقبل الإرهابيين بالأحضان والقبلات، وأن يمطرهم بالأزهار والورود، وأن يُمسك عن حماية نفسه حتى تنفجر فيه قنبلة، أو تصيبه رصاصة غادرة، أو يتلقى طعنة خنجر أو سيف أو سكين، أما «السحل» الذى سيتلقاه من الجناة من بعد القتل والذبح، فلا عليه، فإن الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها!! ما هذا العبث؟! لا يمر يوم إلا وتُفجع مصر بقتلى من الجنود والضباط، وبقتلى من آحاد الناس، يشبعهم الإرهابيون المتشحون كذباً بالإسلام، قتلاً وذبحاً وتفجيراً وحرقاً، حتى عمّ البلاء فى كل مكان، فى الشوارع والطرقات، وفى دور العلم والمدارس والجامعات، وفى أقسام ومراكز الشرطة، وبين المساجد والكنائس، وعلى الجسور والكبارى، وفى المتاحف والمجامع العلمية، وفى القطارات ووسائل النقل العام والخاص، وليس من أحد يحمى مصر والمصريين سوى هؤلاء الجنود والضباط الذين يُغتالون تباعاً، فى خسة وضعة، وتترمل زوجاتهم ويتيتم أطفالهم وتثكل أمهاتهم، ولا يجد هؤلاء المفجوعون فيهم غير البكاء والنحيب، بينما يتباهى الإرهابيون المتشحون بالدين، وهو منهم براء، بالقتل والذبح والتحريق والتدمير والإهلاك! ولا يستحى أصحاب الدكاكين الخاصة الذين يتلقون الأموال من الخارج، ومن ألحقوا أنفسهم كذباً بالنخبة، من طرح صكٍّ اصطنعوه واخترعوا به أحبولة «العنف المفرط» لتكون تهمة تامة التجهيز لمهاجمة الجنود والضباط، بصيغة ملفقة مغلوطة تدارى ما عليه هؤلاء وأولاء من «حَوَل» لا يستحون منه، ولا يرون بعدسته المقعرة المتكسرة ما يقع على شعب مصر وجند مصر، ويحسبون أن حقوق الإنسان قاصرة واجبة للقتلة السفاكين، ولا لزوم ولا حاجة لها للشعب المصرى المجنى عليه! لا يرى هؤلاء وأولاء حقوقاً للإنسان إلا للقتلة السفاحين، ولا يرون حقوقاً للبسطاء الذين يُقَتَّلون فى كل يوم، ولا لحراسهم وحراس مصر من الجنود والضباط الذين تُسفَك دماؤهم وهم يقومون بواجبهم المقدس لصد العدوان والإرهاب عن الشعب وعن مصر المبتلاة بهؤلاء الذين خرجوا عن كل شرع ودين، وعن كل قانون.. ويلوح هؤلاء المتنطعون بلا حياء بأن التصدى للقتل والذبح والإرهاب، يعتمد على «عنف مفرط»، دون أن يكلف أحد منهم خاطره الشريف ببيان ما هو «العنف المفرط»، ولا ما هو «غير المفرط»، ولا ماذا على الجندى والضابط أن يفعله والموت محدق به وبجمهور الناس؟!! هل عليه أن ينتظر حتى يُقتل؟! دعونا من الحالة النفسية للضباط والجنود الذين يُقتلون يومياً بشتى أنواع القتل والذبح والسحل، وما ينشأ عن ذلك من توترات عصبية لا ينكرها إلا جاحد، فإن الذى لا خلاف عليه أن شريعة السماء، والشرائع الوضعية، تتفق جميعها على تقرير حق الدفاع الشرعى، ويطلق عليه فى الشريعة الإسلامية «دفع الصائل» وتتفق النظريات الفقهية فى الداخل والخارج على اعتبار الدفاع الشرعى «واجباً» وليس مجرد «حق» تقديراً لأهمية حماية المعتدَى عليه وكفالة الوسائل التى تتيح له الدفاع الجدّى عن نفسه وعمن يحميهم من المواطنين والممتلكات العامة والخاصة. والدفاع الشرعى، فى مفهومه العام المتعارف عليه قانوناً وشرعاً، هو استعمال القوة اللازمة لصد «خطر» حال غير مشروع يهدد بالإيذاء حقاً يحميه القانون، والملاحظ أن الدفاع الشرعى مباح ضد «الخطر» ولا يشترط وقوع الاعتداء فعلاً، فلا يلزم من يتهدده «الخطر» أن يتحمله ثم يدفعه أو يبلغ به السلطات العامة أو ينتظر حتى يُقتل لتقتص السلطاتُ لقتله، وإنما مباح، بل واجب، على من يتعرض «للخطر» أن يدفعه بكل فعل ضرورى لدفعه، وملائم لذلك. ودفع «الخطر» يكون «بالحيلولة» بين المعتدى وبين البدء فى عدوانه أو الاستمرار فيه إذا كان قد بدأه فعلاً. فالهدف من الدفاع الشرعى هو «صد الخطر» واتقاؤه ويكفى للدفاع الشرعى أن يكون «الخطر» منتظراً وفق السير العادى للأمور فلا يشترط أن يتحقق بالفعل فيجب على المدافع ألا ينتظر حتى يتحول الخطر إلى اعتداء فعلى، وإلا أُحبطت غاية الدفاع الشرعى وضاع هدفه. ويستوى فى هذا الخطر أن يهدَّد المدافع نفسه، أو يهدد غيره، فى نفسه أو عرضه أو ماله، ولا يُشترط أن يكون هذا الغير على صلة أو قرابة بالمدافع، فالدفاع عن الغير أى غير واجب كالدفاع عن النفس. وهذا الدفاع الشرعى جائز سواء كان الخطر جسيماً أو غير جسيم، فحماية حق المعتدَى عليه أولى بالرعاية من المعتدى الذى يروم العدوان على حقوق أو حيوات الغير. ونقول للمتحاكمين إلى الشريعة الإسلامية، إنها كانت أسبق فى تقرير أن الدفاع الشرعى «واجب» على المدافع وليس مجرد حق يستخدمه أو لا يستخدمه، ويستوى أن يكون هذا الدفاع عن النفس أو عن الغير، واستدل فقهاء الشرع على «وجوبه» من الحديث النبوى: «من مات دون ماله، والنفس أولى، فهو شهيد»، ومقام الشهادة دال على أن المدافعة «واجب»، ويعرف المتابعون لفقه القانون الوضعى الحديث أن أئمته يعتنقون الآن أن الدفاع الشرعى «واجب» وليس مجرد حق يُمارَس أو يُترك، ومن هؤلاء الفقهاء العالميين: فيدال، وماجنول، ودونيديو دى فابر، وبيير بوزات، وستيفانى، وأستاذنا الكبير المرحوم الدكتور محمود نجيب حسنى. ولأهمية حماية الحق من الاعتداء عليه، يباح الدفاع الشرعى ولو كان المعتدى غير مسئول جنائياً لجنون مثلاً أو عته أو إكراه أو غير ذلك، لأن مرام الدفاع الشرعى حماية الحق من الخطر الذى يتهدده بغض النظر عن حال المعتدى ما دام الخطر غير مشروع. ولا يُطلب من المدافع أن يلجأ إلى السلطات لحمايته من الاعتداء، ولا يُطلب منه الهروب إن كان يستطيع الهروب، فالدفاع حق بل واجب، بينما الهروب مشين، ومن ثم لا يُجبَر صاحب الحق على النزول عنه والالتجاء جُبناً!! إلى مسلك مشين! هل وضع أحد من هؤلاء المتنطعين نفسه محل أحد ممن يُغتالون وتُسفك دماؤهم يومياً، وفكرَ ماذا عساه هو فاعل لو كان محلهم بما يتمنطق به من أقاويل، والقول على الأدعياء يسير؟! إن كل الأحكام القضائية، لمصر والعالم، قد اتفقت على أن تقدير ظروف الدفاع الشرعى ومقتضياته أمر «اعتبارى» يُنظر وتُراعى فيه الظروف الدقيقة التى أحاطت بالمدافع، فلا يجوز أن يكون هذا التقدير إلا اعتبارياً بالنسبة لشخص المدافع الذى فوجئ بالخطر أو بفعل الاعتداء فى ظروفه الحرجة وملابساته الدقيقة، ومن ثم فهو وحده دون غيره المحوط بها والمطلوب منه مواجهتها وتبعاً لتقديره الشخصى للاعتبارات التى أحاطت به، وزادت الأحكام فقالت إنه لا يصح محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المطمئن الذى يستحيل عليه فى حالته التى كان فيها وقت الخطر والاعتداء! يا سادة، إن الدفاع الشرعى «واجب»! وليس من واجب المدافع أن ينتظر حتى يُقتل!! والقتيل إن فرّط المدافع فى واجبه لن يكون فقط دمه المهدر، وإنما سيعم القتل والدمار مصر والمصريين! فهل هذا ما يريدون؟!