يبدو أن التطرف فى الرأى هو شيمة غالبية أهل مصر وليس فقط الفصيل الإخوانى الذى سقط بفعل الثورة الشعبية فى 30 يونيو، كنت أظن أن الإخوان وحدهم متطرفون فكرياً، وكرهت شعورى كمواطنة مصرية بالغربة أيام حكم «مرسى» وأهله وعشيرته، الذين يتهمونك بالكفر والزندقة والخروج من دين «محمد»، صلى الله عليه وسلم، حالما تنتقدهم. لكننى اكتشفت أن التطرف طبع وسمة مصرية منتشرة بيننا بكل أسف. فعلى سبيل المثال، فإن كثيراً من مؤيدى «السيسى» جاهزون لإطلاق كل صنوف اتهامات الخيانة والعمالة والتمويل واللاوطنية والطابور الخامس على أى مواطن آخر -حتى من مؤيدى «السيسى»- ولكن ليس بطريقة التطبيل التى يفضلها المراهقون سياسياً منهم، ويظل المسكين يقسم بالله وبالإسلام والمسيحية أنه مؤيد ل«السيسى» وأنه يحبه كشخص ومؤمن بدوره البطولى، لكنه قد لا يعجبه البعض ممن يتمسحون به من المرتزقة والمبخراتية ومن يبحث عن وزارة أو مكان تحت بقعة الشمس! بل إن بعضهم ذهب إلى حد الجنون واللامنطق واللاوعى والهرطقة بتوجيه التحية للثلاثين عاماً من الفساد والدولة البوليسية القمعية ل«مبارك»، زاعمين أن النخبة ضللت الشعب فى 25 يناير، وأن «مبارك» لم يسقط فى حكمه شهداء جراء الإرهاب! هؤلاء ممن لم يقرأوا التاريخ، أو تناسوا عن عمد، كل أحداث العنف فى التسعينات أيام حكم «مبارك»، ومنها مذبحة الأقصر وما حدث للسياح الأجانب من فضيحة دولية على يد الإرهاب قتلت السياحة فى مصر وقتها، ألم يكن «مبارك» هو الحاكم فى التسعينات؟ والتى شهدت إرهاباً غير مسبوق سقط خلالها عشرات من المصريين شهداء، بل تناسوا أيضاً حادثة تفجير كنيسة القديسين فى رأس السنة 2011، على الرغم من قبضة «العادلى» الحديدية التى يتغنى بها بعض الذين يضللون الشعب الآن بفقدانهم لصوابهم! أما على الجانب الآخر، فهناك من مؤيدى ثورة يناير والمحسوبين على معسكر «صباحى» من لا يقبل بفكرة انتقاده أصلاً، وقد يكون من ينتقد تصريحاً أو موقفاً ل«صباحى» هو من مؤيديه ومن مريديه وينتقده حباً فيه أو خوفاً عليه، لكن تجد بعض المتطرفين هنا يتهمونه بالفساد والفلولية ويطلقون عليه كل صنوف الإرهاب الفكرى الموجودة فى القواميس! ليس من الحكمة أن تتطرّف فى حبك أو كرهك لنظام أو لشخص أو حكومة، فالسياسة لا تقبل الحب والكره والعواطف، السياسة فن الممكن والتفاوض، وليس من العقل إضفاء صفة التقديس والتأليه على أشخاص، وإطلاق تلك الأغانى الرخيصة للسياسيين والتصرفات المبتذلة التى لا تحدث إلا فى دول العالم الثالث المتخلف، فلم أرَ أغنية لبوتين أو أوباما أو ميركل أو أولاند مثلاً على «يوتيوب»! ما نفتقده فى مصر هو ثقافة قبول الآخر، والبعد عن الفاشية الفكرية، ففى الديمقراطيات المتقدمة يُقاس مدى نجاح أو فشل المتناظرين سياسياً فى انتخابات رئاسية بمدى تماسك وهدوء وموضوعية واتزان كل منهما، ومن يعلو صوته أو يخرج عن اللياقة أو يبدأ فى توجيه قذائف إرهاب فكرى إلى الآخر هو من يخسر المناظرة، ذلك الحدث الإعلامى (المناظرة) الذى يرفضه البعض هنا بين «السيسى» و«صباحى»، لدرجة أنهم يكيلون الشتائم لكل من يطلب مناظرة بين مرشحين رئاسيين! هذا هو الفرق يا سادة بين شعوب العالم الثالث وشعوب مارست طويلاً حقوقها الديمقراطية والسياسية وأيقنت أن الرئيس والحكومة موظفون عند الشعب الذى يحاسبهم إن أخطأوا، وأن الشعب هو مصدر السلطات وليس الزعيم والأب والقائد الملهم المنقذ!