كان ياما كان.. كان فيه زمان إعلان، تخرج علينا فيه بنت «زى القمر» تغنى وتقول «وانا وانا وانا احب العسكرى». والعسكرى الذى تحبه «الجميلة» كان عبارة عن مبيد حشرى يهلك الصراصير والحشرات التى تعشش فى المنازل بمجرد «رشة». صاحب الإعلان لم يجد فكرة يمكن أن يقنع بها المشاهد ب «المبيد الحشرى» سوى أن يسميه «العسكرى»؛ فأمام «العسكرى» لا يستطيع مواطن واعٍ أن يتكلم، فالمصريون يتساوون فى «الخَرَس» عندما يحضُر «العسكرى»، ومن يوسوس له «خناسه» بالكلام يكون مصيره من مصير ذلك الصرصار الذى تحدث عنه توفيق الحكيم فى مسرحية «مصير صرصار» والذى أوضحه صاحب إعلان «بحب العسكرى» عندما غنى للمبيد الذى يرخى شوارب أجدع «صرصار»! السر فى العسكرى.. لمن يريد أن يسأل: لماذا يفضل بعض المصريين رئيساً «عسكرياً»؟ أحدهم يقول الرئيس العسكرى هو القادر على فرض الاستقرار، وللعلم لا توجد علاقة نسب أو قرابة بين كل من «الاستقرار» و «الصرصار»، لكنه تشابه حروف فقط! وآخر يقول «الشعب ده لازم يتعامل ميرى». وكلمة الميرى عند المصريين تعنى الرسمى وليس مجرد البدلة الميرى التى تزين عضلات «العسكرى». والمثل يقول «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه»، لذلك لا تتعجب إذا وجدت بعض المصريين يتمرغون فى التراب بالقرب من الأراضى الميرى.. وأغلب الأراضى فى مصر ميرى! هل تذكر ذلك النهار فى رمضان الماضى عندما ارتدى المشير طنطاوى «البدلة المدنى» وتجول فى منطقة وسط البلد بين المصريين. لم يسترح البعض لذلك، فالناس أحبته بالزى العسكرى وغنت وهتفت له لأنه «عسكرى» يعامل المواطنين «ميرى»! والناس فى حاجة إلى كرباج -هكذا صرخ أحدهم فى برنامج تليفزيونى- لكى يسيروا على الصراط المستقيم. وكُتُب التاريخ عتبت على محمد على باشا عندما ذبح المماليك كخطوة نهائية للقضاء على حكمهم العسكرى، وغنت للضابط أحمد عرابى الذى ثار ضد الخديو توفيق الذى اضطر للاستعانة بالإنجليز للقضاء على ثورته بعدما لم يرتجع عرابى عندما زجره توفيق بقوله «فلاح خرسيس أدب سيس». فهتف بالفم المليان «لقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً ولن نستعبد بعد اليوم».. فعام 1882 لم يكن مبيد «العسكرى» قد ظهر بعد، وإلا لرش به الخديو توفيق «أحمد عرابى» ورجاله وخلصنا! وقد أصبح «العسكرى» بعد ذلك هو كتاب «التاريخ» و«الحاضر» والبعض يريده أيضاً «للمستقبل».. أو بترنيمة لغوية أخرى كتاب «حياتى» وحياتك وحياتنا كلنا، لأن «رشّة» العسكرى لينا كلنا، فالبعض يهوى الروح «الكاكى» ويرى فيها حلاً عبقرياً للسيطرة على «شقاوة» الشعب الذى يريد الانفلات ليعيش الحياة على كيفه.. البعض يحلم ب«العصاية اللى تجريه» ويرفض زمارة «التحرير» «اللى بتلمّه».. يمكن فقط أن يقبل هذا البعض الفعل «يتلم» بشرط أن يكون معناه أن «يدخل إلى الشق» ويدارى نفسه من «العسكرى»!