الأسبوع الماضى كتبت «فى نفس المكان»، أعارض تدخل رئيس الوزراء المهندس «إبراهيم محلب» لمنع عرض فيلم «حلاوة روح»، وقلت: إن الدولة تلعب على أرضية المتطرفين، وإنها قررت أن تزايد على تيار الإسلام السياسى وتحاول أن تثبت أنها دولة «متدينة» ولو بقرار «تافه»! وقد تلقيت مكالمة ودودة من المهندس «إبراهيم محلب» أكد خلالها أنه لا يقف ضد حرية الإبداع، لكنه تعرض لضغوط إنسانية شديدة كان منها مقابلته لوالدة «زينة» الطفلة التى اغتصبوها ثم قتلوها فى بورسعيد، ثم جاءته شكوى «المجلس القومى للطفولة والأمومة» بشأن فيلم «حلاوة روح» والتى اعتبرت الفيلم مخالفاً للدستور وقانون الطفل. ورغم ما حدث من تداعيات لأزمة منع الفيلم التى كان أولها: «إقالة» أو استقالة «أحمد عواض»، رئيس جهاز الرقابة والمصنفات الفنية، وثانيها: إحساس المبدعين أنهم فى خطر وأن الدولة تفتك بالمادة «67» من الدستور التى تحمى الإبداع والمبدعين، وتجعل النيابة العامة هى الحكم بين السلطات.. فإننى شعرت أن الحكومة فى مأزق أكبر من أزمة المبدعين! إنها حكومة انتقالية، تواجه أشرس المعارك مع «الإرهاب»، وعليها أن تدير الموقف الاقتصادى المتدهور، وتدبر الأجور والمرتبات وخدمات التعليم والصحة، وتشرف على نزاهة الانتخابات الرئاسية ثم الانتخابات البرلمانية، وتتلقى لعنات الشعب إذا انقطع التيار الكهربائى أو نقص السولار والبنزين! وكل هذه المهام الجسام لم يكن يجوز أن يخترقها عنوان صادم وهو: «مصادرة حرية الإبداع»، بسبب فيلم «بورنو».. لكن هذا العنوان كشف عن أزمة حقيقية فى النظام ككل، وهى أننا لم نفعّل الدستور بجدية وأننا نتعامل مع مواد الدستور بشكل انتقائى. فما يحمى النظام تبروزه وسائل الإعلام ويصبح واقعاً وما يحمى المواطن مؤجل إلى أجل غير مسمى.. وهذا ليس ذنب المهندس «إبراهيم محلب»! الأزمة الأخرى، أن ما تواجهه مصر من تحديات داخلية وخارجية جعل «الحرية» نفسها انتقائية. الأهم من ذلك كله أن حكومة «محلب» -مثل سابقاتها- عليها أن تتحمل أوزار رفع الدعم عن الطاقة، والذى بدأ بزيادة أسعار الغاز الطبيعى، كما أشرت فى مقالى السابق، والذى سيتبعه حتماً رفع أسعار البنزين والسولار.. مما سيؤدى إلى موجة غلاء أخرى فى السلع والخدمات لن يتحملها المواطن! وكأن المطلوب أن يأتى الرئيس المقبل «على نضيف»، فلا يضطر لجلد من انتخبوه، بل يحاول تحجيم الآثار الكارثية التى ستحل على محدودى، أو بالأدق، «معدومى» الدخل. لقد قال لى المهندس «إبراهيم محلب» إن الهدف من زيادة أسعار الغاز الطبيعى هو التخفيف عن الفقراء وتحميل الفارق للأغنياء، رغم أن معالى رئيس الوزراء يعلم أن سكان العشوائيات ليس لديهم غاز طبيعى، وقال إنه سيستثمر أموال زيادة السعر فى توصيل الغاز الطبيعى للأحياء الفقيرة! لكن الفقراء -يا سيادة رئيس الوزراء- يستهلكون الكهرباء (إذا لم تنقطع) فكيف سيتحملون نتائج «تحريك الأسعار»؟ «تحريك الأسعار» جملة مكروهة فى قاموس المصريين، لأنها تعنى أن سيارات النقل التى تنقل الخضراوات والدجاج ستستغلها ضد الفقراء، ولأنها جملة لا تطبق أبداً على أثرياء البلد من أصحاب المصانع والقصور واليخوت. أنا حتى لا أفهم مغزى تصريحات وزير المالية «هانى قدرى»، الذى قال إنه جار إعداد مشروعين للموازنة، أحدهما بدون إصلاحات والآخر بإصلاحات اقتصادية لا تمس محدودى الدخل، وسيتم طرحهما للحوار المجتمعى! خاصة أن النظام بعدما يُجرى الحوار المجتمعى يفعل ما يريده وليخبط المجتمع رأسه فى الحائط، كما حدث فى تحصين اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. وماذا تفعل حكومة ليس لديها قاعدة بيانات بمحدودى الدخل، خاصة أن الدكتور «أشرف العربى»، وزير التخطيط والتعاون الدولى، يقول إن 80% من قيمة الدعم يذهب إلى نحو 20% فقط من أغنياء المواطنين! هذه حكومة كان يجب أن تترك الشعب يتلهى ب«حلاوة روح». سيادة رئيس الوزراء: كان الله فى عونك.