أغمض تيتو فيلانوفا عينيه مرة أخيرة يوم الجمعة، وترك برشلونة الإسباني يتحسر على رحيل ابنه البار بعدما خسر معركته مع السرطان. فيلانوفا مدرب ال100 نقطة، الأعلى في تاريخ برشلونة في الدوري الإسباني لكرة القدم، وبعد تخرجه من مدرب "لا ماسيا" الشهيرة، دارت به الأيام ليشرف على أجمل تشكيلة ربما في تاريخ اللعبة. عرف الفريق الكاتالوني مطبات كثيرة هذا الموسم، من استقالة رئيسه ساندرو روسيل لشبهات فساد في صفقة البرازيلي نيمار، مرورًا بمتاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي ووالده الضريبية، وصولًا إلى الخروج تقريبًا من كل المسابقات بلا ألقاب، لكن آخرها كان الضربة القاضية لموسم أسود برحيل فيلانوفا بعد معاناته من سرطان الغدة اللعابية. أبصر فرانسيسك "تيتو" فيلانوفا أي بايو، النور في بلكير ديمبوردا في 17-9-1968 لكن حياته كانت قصيرة نسبيًا، وصعبة في ظل حرب شديدة مع المرض القاتل. كان محبوبًا من الجميع، وعرفه العالم في موسم 2012-2013 عندما حمل لواء تدريب برشلونة خلفًا لزميل مسيرته بيب غوارديولا، فحصد النقاط المئة في موسم لافت، وكان مساعدًا للأخير في قيادة فريق وصفه كثيرون بأنه الأقوى في تاريخ المستديرة. رجل الظل خرج منه أول مرة في أغسطس 2011 خلال مباراة "الكلاسيكو" ضد الغريم ريال مدريد، لقد كان فيلانوفا الرجل الذي غرز البرتغالي جوزيه مورينيو، مدرّب ريال آنذاك، إصبعه في عينه، قبل أن يرد الصاع بصفعة مدوية. قال رئيس النادي جوزيب ماريا بارتوميو: "كان تيتو فيلانوفا شخصًا رائعًا، ولن ننساه في برشلونة.. شكرًا لكل ما قدمته لنا، فلتسترح بسلام". صحيح أن فيلانوفا كسب قبل رحيله لقب المدرب الناجح بعد أن كان مساعدًا لخمس سنوات، لكن اسمه ارتبط برجل مكافح أجبره المرض على ترك أفضل نوادي العالم والتفرغ لمعركة قاتمة. رحل تيتو تاركًا زوجته مونتسا وولديه كارلوتا وادريا، والأخير يلعب راهنًا في أكاديمية برشلونة. كان فيلانوفا شجاعًا، صادقًا، يعمل بجد، كماليًا، منهجيًا، واقعيًا وبديهيًا، وسيبقى النادي، بحسب موقعه الرسمي، يعتبره مخلصًا لبرشلونة ولنفسه على حد قول زميلي الطفولة والشباب جوردي رورا واوريلي التيميرا. جاء تيتو بعمر الخامسة عشرة إلى برشلونة ووطأت قدماه لا ماسيا بعمر السادسة عشرة، وبقي حتى 1989. هناك توطدت صداقته مع غوارديولا، رورا والتيميرا الذي حقق معه نجاحات لاحقة في الجهاز الفني لبرشلونة. كان "الماركي" وهو لقبه آنذاك، لاعب وسط طويل، يملك المهارة ويتميز بالركلات الثابتة وقراءة المباريات. لعب مباراتين وديتين فقط مع برشلونة قبل أن يحمل ألوان فيغويريس، سلتا، باداخوز، مايوركا، ليدا، إلتشي وأخيرًا غرامينيت حيث اعتزل. كمدرب، كان فيلانوفا تحليليًا، يفكر ويراقب كثيرًا، وعرف بطريقة توجيه تعليماته للاعبين من خط الملعب، ومن عمل معه اعتبره عبقريًا من الناحية الفنية. بدأ التدريب أولًا مع فريق تحت 14 سنة، ضم آنذاك جيرار بيكيه، سيسيك فابريغاس وليو ميسي، ثم إشرف على بالافروغيل، فيوغويريس وتيراسا. عاد إلى برشلونة في موسم 2007-2008، مساعدًا لغوارديولا في فريق الرديف "برشلونة ب"، فساهم في صعوده درجة. بعدها بسنة استلم الثنائي بيب-تيتو الفريق الأول، فبدأت رحلة 14 لقبًا في أربع سنوات، كتب خلالها فصلًا تاريخيًا في 2009 عندما أحرز بلاوغرانا 6 ألقاب: دوري أبطال أوروبا، الليغا، الكأس، الكأس السوبر المحلية، الكأس السوبر الأوروبية وكأس العالم للأندية. كان طبيعيًا اختيار تيتو للحلول بدلًا من غوارديولا في 27 أبريل 2012، فاعتبره المدير الرياضي اندوني زوبيزاريتا خيارًا طبيعيًا لخلافة بيب، فجعمه الرئيس روسيل وباقي أعضاء مجلس الإدارة. سيطر برشلونة على الدوري من بدايته حتى نهايته، وحصد 100 نقطة من أصل 114 ممكنة، معادلًا رقم ريال مدريد القياسي في موسم 2011-2012، كما حقق النادي رقمًا قياسيًا بتسجيله 115 هدفًا في 38 مباراة بمعدل 3 أهداف في المباراة الواحدة. كان ابتعاده عن غريمه ريال بفارق 15 نقطة وإحرازه اللقب ال22 في الدوري، إشارة واضحة إلى قدرات تيتو القيادية، كما بلغ فريقه في 2013 نصف نهائي دوري الأبطال والكأس المحلية. بدأ يكافح المرض منذ 2011، وفي ظل الضغط جاء الزائر المزعج: في ديسمبر 2012 انتكس فيلانوفا مجددًا ووقع ضحية معاودة السرطان في غدده اللعابية والتي كان خضع لجراحة بسببها قبل سنة. غادر في يناير 2013 إلى نيويورك وبقي حتى مارس للعلاج، وعندها استلم مساعده رورا مهام المدير الفني، ثم عاود الإشراف على التمارين في نهاية الموسم. كانت آخر الفصول في يوليو الماضي عندما أعلن بطل إسبانيا آنذاك "تضارب" استمراره مع علاجه المتجدد للمرض الخبيث، فخلفه الأرجنتيني تاتا مارتينو. كان لافتًا أن العلاقة المتينة بين غوارديولا وفيلانوفا تضررت كثيرًا بعد ذلك، غوارديولا أكد أن إدارة ساندرو روسيل، الرئيس المستقيل من منصبه هذا الموسم، استخدمت مرض فيلانوفا لإهانته وإلحاق الضرر به، واتهمها بأنها لم تتركه بسلام بعد رحيله، مروجة أخبار عدم زيارته فيلانوفا للاطمئنان عليه في الولاياتالمتحدة، حيث كان يعيش بعد تركه برشلونة. لخّص مرضه عندما قال: "قد يكون تدريب برشلونة بمثابة لعب الأطفال مقارنة مع ما عانيته". طوى المرض صفحات كثيرة، ودقت ساعة الحقيقة المرة، دخل تيتو إلى المستشفى الجمعة الماضي بعد تفاقم السرطان في غدته اللعابية وخضع ظهر الخميس لجراحة بسبب مضاعفات في المعدة بحسب صحيفة "ماركا" فكان وضعه حرجًا، إلى أن حانت لحظة الحسم: لقد استراح تيتو فيلانوفا.