تتوالى الأخبار عن مسارعة «حازمون» إلى سوريا، بعد أن وجدوا فيها مسرحاً مفتوحاً ل«الجهاد ضد الروافض» كما يقولون، ليقابلوا هناك شباباً «سُنة» جاءوا من دول إسلامية عدة. وترد أنباء عن مشاركة شباب من شيعة إيران والعراق والخليج ولبنان وآسيا الوسطى إلى جانب قوات بشار الأسد. إنها بلا شك بدايات «الحرب الطائفية» التى انتظرتها إسرائيل وأمريكا طويلاً، ووسط عجيجها يضيع الحديث عن الحرية والعدل والكرامة للسوريين الذين عانوا طويلاً تحت بطش نظام قمعى عنصرى فاسد. هذه الوقائع التى تتسارع على الأرض، تعيدنى، كمسلم سُنى لكنه كاتب وباحث يجب أن يدقق ويتحرى الحقيقة، إلى فتح ملف «الشيعة العرب» مرة ثانية، لعلى أجلى بعض الأمور التى تتم التعمية عليها وسط النار والدم، وفى ضجيج الدعاية المشبعة بالأكاذيب والضغائن. لكن من أين أبدأ؟.. سأبدأ من نقطة أبعد من المشهد السورى، ولتتحملنى وتصبر علىّ عزيزى القارئ قليلاً.. *** فى ريعان شبابه، وقبل أن تملأ إبداعاته الأسماع والأبصار، ذهب الشاعر العراقى الكبير محمد مهدى الجواهرى ليتسلم وظيفة مدرس ابتدائى، لكن المفكر القومى الكبير ساطع الحصرى، وكان مسئولاً عن التعليم فى العراق آنذاك، رفض طلبه، ورده خاسراً، لأن الجواهرى، شأنه فى هذا شأن العديد من العشائر والعائلات الشيعية، كان يرفض التقدم بطلب للحصول على الجنسية العراقية، ويفضل «الجنسية الإيرانية» بدعوى أنها تحميه من بطش العثمانيين «السُنة» وضرائبهم الباهظة، وتجنيدهم الإجبارى. وهكذا بدأ كثير من العراقيين يتحولون من «التسنن» إلى «التشيع». هذه الواقعة العارضة سُلطت عليها عدسة مقعرة، فساحت فى الزمان والمكان، وبدت لدى كثيرين، ممن لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتحرى، ملخصاً وافياً لموقف الشيعة العرب من «القومية» بل من الانتماء والولاء لأقطارهم التى يعيشون على أرضها ويستظلون بسمائها. لكن الحقيقة التى تقوم على معرفة ما جرى قبل واقعة الجواهرى وبعدها، تقول بجلاء ووضوح إن مثل هذه الانطباعات خاطئة، وجائرة فى الوقت نفسه. أو هكذا كانت حتى تمكنت إيران من رقبة العراق. فى حقيقة الأمر فإن التشيع فى العالم العربى سابق على التشيع فى إيران ومختلف عنه فى كثير من التصورات والتصرفات. فالتشيع لسيدنا علىّ بن أبى طالب، كرم الله وجهه، فى جزيرة العرب بدأ قبل دخول الفُرس الإسلام. وفى هذا الوقت كانت إيران مجوسية. فلما فتح المسلمون العراق وفارس، مالت قبائل عربية هناك إلى اعتناق التشيع، بينما ظلت الغالبية الكاسحة من الإيرانيين تعتنق المذهب السُنى، باستثناء قم، إلى أن تم تحويلهم قسراً سنة 1500 م حين أُعلن التشيع مذهباً رسمياً للدولة الصفوية، بل إن الشيعة لم يصبحوا أكثرية فى العراق إلا فى القرن التاسع عشر، حين استقرت معظم القبائل البدوية على أرض الرافدين، وتشيعت. لكن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا المقام هو: هل هناك خلاف بين «الشيعة العرب» و«الشيعة الإيرانيين».. هذا ما نجيب عنه فى مقال الغد إن شاء الله تعالى.