ملامحها مصرية خالصة، رأسها مرفوع دائما، تنطق عيناها بالحزن والتحدى والإصرار والرغبة فى الثأر لدم الشهيد، الشهيد ليس بعيدا عنها، بل هو أقرب الناس لها، إنه فلذة كبدها وأروع أحلامها، إنه ابنها الشهيد سامر الشيخ، الذى خطفه الموت وغيّبه عن الحياة وهو يبدأ حياته كزهرة لم تسمح لها الظروف أن تتفتح، بل سحقتها يد الظلم والاستبداد. تحمل صورته أينما ذهبت، وتقول للناس هذا ابنى الذى قتلوه غدرا وغيلة بلا جُرم اقترفه، تحكى عن قصة استشهاده حين نزل إلى الشارع ليقود سيارته الجديدة التى اشتراها بالقسط، ليعمل عليها بالتنسيق مع أحد مكاتب تأجير السيارات الخاصة، باحثا عن لقمة عيشه الحلال، أوقفته سيارة ميكروباص عادية، خشى أن يكون هؤلاء من قطاع الطريق الذين يقومون بسرقة السيارات خلال الفترة الأخيرة، لذا استمر فى سيره لينجو من السرقة، طاردته سيارة الميكروباص بشراسة، وحين دخل إلى منطقة سكنية اعتقد أنها منطقة آمنة، لن يكون فيها وحده، أوقف سيارته ونزل منها، وهنا انهالت عليه الرصاصات التى اخترقت جنبه ورأسه لتروى دماؤه ثرى الأرض الطيبة. نعم بدم بارد قتلوه، لم يسألوه عن رخصة سيارته، ولا عن بطاقة هويته، كان القرار بإعدامه فوريا وتم التنفيذ، اتصل مجهول بوالدته، وأبلغها أن «سامر» قد أصابه تعب مفاجئ وهو الآن فى مستشفى التأمين الصحى بمدينة نصر، هرولت والدته إلى المستشفى، لتجد ابنها جثة هامدة غارقة فى دمائها. وعلى الفور وحتى تضيع الحقيقة، أصبح «سامر» متهما بحيازة فرد سلاح روسى، وحيازة ذخيرة، وحيازة مخدرات، وحتى يكتمل التلفيق ظهر شاهد زور، ادعوا أنه صديق «سامر»، وكان يجلس بجواره أثناء قيادته للسيارة، وشهد على «سامر» أنه أطلق الرصاص على الشرطة، وهو يحاول الهرب منها وبمعاينة سيارة «سامر»، بمعرفة النيابة، تأكد أن إطارات السيارة سليمة تماما وأن الباب الأمامى الذى يجاور «سامر» سليم تماما، وأن مقاعد السيارة من الداخل بلا نقطة دم واحدة، مما يؤكد أنه تم قتله خارج السيارة. ضغطوا على الشاهد حتى يغلق باب التحقيق فى القضية ولكن أبى صوت الحق إلا أن يخرج ويدوى ليفضح جريمة مكتملة الأركان، تراجع الشاهد عن شهادته وأدلى باعترافات جديدة عند النائب العام، حكى فيها كيف تم إعدام «سامر» وسفك دمائه بلا رحمة. ما زالت أم الشهيد متمسكة بحقه والقصاص له وتقول لن تسامحنى روحه إذا لم يُعاقب قاتله وإذا لم يتحقق القصاص العادل، هناك الكثيرون من البسطاء الذين تم قتلهم مثل «سامر» وقيدت جرائم قتلهم ضد مجهول؛ لأن القضية لم تكن تصل للقضاء بسبب سطوة النظام السابق وأجهزته القمعية. تقول والدة الشهيد: إن الضابط الذى قتل ولدها يحميه من العقاب منصب والده، الضابط أيضا فى وزارة الداخلية، وتسأل: هل ستعيد لى الداخلية ولدى إذا تركت القاتل وتوقفت عن المطالبة بحق ابنى ودمه؟ إن قضية سامر الشيخ نموذج ومحك لمصر بعد الثورة واختبار للعدالة، هل ستمضى العدالة فى طريقها بلا تأثير ولا ترهيب على اتجاهها، أم ستنحرف بعيدا عن مسار الحق والإنصاف؟ اللهم صبِّر أم الشهيد وألهمها الصبر وقر عينيها بقصاص عادل.