فى الوقت الذى ينتظر فيه المصريون أولى ثمار ثورتين، جاء قرار المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، برفع سعر الغاز الطبيعى للمنازل 4 أضعاف عما كانت عليه فى السابق، وعلى الرغم من اتفاق الغالبية العظمى من الخبراء على وجود «خلل» فى منظومة الدعم الحالية، وضرورة توجيه الجانب الأكبر من هذا الدعم لمستحقيه الفعليين من محدودى الدخل، فإن الخوف من عدم قدرة الحكومة على السيطرة على الأسعار والسوق الداخلية هو الهاجس الأكبر لدى المواطنين عند اتخاذ أى قرارات حكومية مفاجئة تتعلق بحياتهم اليومية. وقال مصدر مسئول بوزارة البترول: «إن المخابز البلدية التى تعمل بالغاز الطبيعى مستثناة وفقاً لقرار رئيس مجلس الوزراء برفع أسعار الغاز الذى سيتم تطبيقه اعتباراً من أول شهر مايو المقبل»، لافتاً إلى أن هذا القرار سيحقق زيادة فى إيرادات الدولة تتراوح بين 800 مليون جنيه ومليار جنيه ستستخدم فى تمويل مشروعات توصيل الغاز للمنازل والتوسع فيها». وأوضح المصدر أن «هذا القرار سيعمل على تحقيق نوع من العدالة بين مستخدمى الغاز ومستخدمى البوتاجاز حيث إنه سبق فى نهاية عام 2012 رفع سعر أسطوانة البوتاجاز من 65.2 جنيه إلى 8 جنيهات للأسطوانة فيما لم تشهد أسعار الغاز الطبيعى أى زيادة»، مشيراً إلى أن أسطوانة البوتاجاز تساوى 12 متراً مكعباً من الغاز، وأن استهلاك الغالبية العظمى من المصريين يبلغ أسطوانتى بوتاجاز شهرياً، أى ما يعادل 24 متراً مكعباً من الغاز. ولفت إلى أنه «لو تم احتساب سعر أسطوانتى البوتاجاز مقارنة باستهلاك معظم الأسر من الغاز الطبيعى سنجد أن أسعار الغاز بالنسبة لمعظم الأسر ورغم قرار زيادة أسعارها فلا تزال أقل من أسعار البوتاجاز التى يضاف إليها 4 جنيهات أخرى، سعر توصيلها إلى المنزل، بخلاف أن الغاز الطبيعى آمن ومستخدِمه لا يتعرض لجشع التجار». من جانبه، أعرب محمود العسقلانى، رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، عن «قلقه» من تأثير هذا القرار على المواطنين، قائلاً: «انتظروا غضب الشعب قريباً على الحكومة، فصمتُ المواطنين على قرارات الحكومة مؤقت ولا داعى لاستفزازهم أكثر من ذلك»، حسب قوله. وتوقع «العسقلانى»، فى تصريحات ل«الوطن»، ارتفاع أسعار السلع بالأسواق، وعلى رأسها اللحوم والسجائر وغيرها من السلع الأساسية الأخرى، بعد إعلان الحكومة نيتها رفع أسعار الطاقة بنسب عالية تصل إلى 40%، لافتاً إلى أن «الدولة لن تستطيع خلال الفترة المقبلة السيطرة على الأسواق، لأنها فتحت الباب أمام جميع التجار لرفع الأسعار، وإذا أرادت الحكومة رفع سعر الكهرباء فعليها رفعه على الأغنياء فقط، مع العلم أن (شركة أسمنت قنا) تحصل على سعر الكيلووات كهرباء ب34 قرشاً و6 مليمات، بينما يحصل المواطن الفقير على كيلووات الكهرباء ب48 قرشاً». وأشار «العسقلانى» إلى أن «الإصلاح الاقتصادى أمر مهم ولكنه مشروط بمراعاة البعد الاجتماعى وعدم المساس بمحدودى الدخل والفقراء»، كاشفاً عن «وجود مأزق سيواجه الحكومة خلال الفترة القادمة فى حال اللجوء إلى ترشيد دعم الطاقة، خاصة أن 80% من هذا الدعم لا يصل إلى مستحقيه، وأنا لا أمانع مطلقاً فى إعادة هيكلة منظومة الدعم بما يضمن وصوله لمستحقيه ولكن ما يحدث الآن سيرهق الفقراء ومحدودى الدخل وسيزيد من أعبائهم الاقتصادية، خاصة فى ظل الوضع الاقتصادى الصعب الذى تعيشه البلاد، فهذا الوضع يعكس دعم الحكومة للأغنياء وليس للفقراء، حيث تلتهم المصانع كثيفة استهلاك الطاقة ما يقرب من ثلث الدعم المخصص للطاقة الكهربائية فى مصر، والذى يبلغ 170 مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة، وبالتالى يجب رفع الدعم عن هؤلاء لدعم الفقراء». من جهته، قال المهندس محمد حسنين، رئيس شركة «تاون جاس» لتوصيل الغاز الطبيعى: «إن قرار رئيس الوزراء برفع أسعار الغاز الطبيعى يهدف لتقريب السعر مع أسطوانة البوتاجاز ويصب فى مصلحة محدودى الدخل، خاصة أن 70% من المنازل تستهلك أقل من 25 متر غاز شهرياً». وقال «حسنين»، فى بيان رسمى أمس: «إن الحكومة تدعم الغاز للمنازل بنسبة تصل إلى 90%، وما يدفعه المواطن بعد رفع أسعار الغاز لا يساوى أكثر من 10% من التكلفة الحقيقية للإنتاج، أسعار الغاز فى مصر تقل كثيراً عن الدول الأوروبية، حيث تتم محاسبة المستهلكين فى باقى دول العالم بالأسعار العالمية، ويصل سعر البيع للمتر المكعب فى العديد من الدول إلى ما يعادل 3 جنيهات للمتر المكعب». وأشاد المهندس حمدى البنبى، وزير البترول الأسبق، بقرار رفع أسعار الغاز للمنازل، معتبراً أن «هذا القرار تأخر كثيراً وكان يجب أن يطبق منذ سنوات، حيث إن أسعار الغاز للمنازل تمثل أحد أبرز الأمثلة على التشوهات السعرية التى تتعلق ببعض السلع الأساسية». وقال الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق: «إن القرار صائب فى ظل الأسعار القديمة المتدنية التى لا توازى السعر الحقيقى والتكلفة الفعلية»، مشيراً إلى أن «السعر يجب أن يوازى الخدمة التى تقدمها الحكومة للمواطن، فمن غير المعقول أن يحاسب المواطن الذى يحصل بالكاد على أسطوانة الغاز بنفس الطريقة التى يحاسب بها المواطن الذى يصله الغاز حتى منزله».