ربيناهم صغاراً لتقتلهم يد الغدر كباراً. حديثى عن خريجى كلية الإعلام الذين شاء الله أن يعملوا فى المهنة الصعبة فى الزمن الصعب، وكتبت عليهم الظروف والأوضاع التى نعيشها أن يكون مكانهم دائماً أتون المعارك المستعرة على السلطة بين الإخوان والسيسان. «ميادة أشرف» التى لقيت وجه ربها شهيدة، و«خالد حسين» الذى أنجاه الله من الموت بأعجوبة من تلامذتنا بكلية الإعلام، وبالمناسبة ما زالت الكلية تزخر بمئات الوجوه ل«ميادة أشرف» أخرى و«حسين خالد» آخر، والأمر نفسه ينطبق على كافة أقسام الإعلام بالجامعات المصرية. طالب متفوق فى الثانوية العامة، فرح عندما التحق بكلية الإعلام، وعاش سنوات الدراسة الأربع يداعبه الحلم فى أن يصبح صحفياً، مثل تلك الوجوه التى يصافحها على صفحات الجرائد والمجلات أو شاشات الفضائيات. يعيش بالحلم وللحلم، يتخرج فى الجامعة، ليجد نفسه على الرصيف، يحاول تقديم نفسه إلى صحيفة أو قناة تليفزيونية، فيصطدم بالسؤال المر: «واسطتك مين؟». من له واسطة أكل «البسطة».. ومن ليس له واسطة نام على «الباسطة»! عندما يغلق باب الواسطة أمام الخريج الطموح، لا يجد أمامه باباً آخر مفتوحاً غير باب «المحنة»، أن يلقى بنفسه فى أتون معركة طاحنة يعلو فيها أزيز الرصاص وتجلجل فيها أصوات القنابل ليحصل على معلومة من هنا، أو صورة فوتوغرافية من هناك، أو لقطة فيديو من هنالك تقدم سبقاً أو موضوعاً حصرياً للصحيفة التى يعمل بها، يستند إليه وإلى غيره كأوراق اعتماد له فى الصحيفة، ليمهد لنفسه سبيل التعيين، ليتوج سعيه هذا بالحصول على كارنيه دخول «جنة نقابة الصحفيين»، بل قد يكون دخول الجنة بالنسبة لهؤلاء أسهل من دخول نقابة الصحفيين، أو قد يكون دخول الجنة سبباً لحصول الشاب الشهيد أو الفتاة الشهيدة على كارنيه النقابة (ميادة أشرف حصلت على عضوية النقابة بعد أن استشهدت.. شكراً للأخ ضياء رشوان!). ليس أمام هذا الشباب الغض المجتهد سوى حياته يجازف بها فى سبيل التعيين فى صحيفة والحصول على كارنيه النقابة، ولأنه يسعى وراء الحقيقة، فإنه يكون دائماً فى مرمى انتقام كل المجرمين الذين يسعون للتستر على جرائمهم، سواء كانوا إخواناً أم أمناً. وسوف تدرك بعد حين أن الإخوان والأمن إخوان!.. المهم، فى كل التخصصات يحصل خريج أية كلية على كارنيه النقابة التى يعمل تحت مظلتها بعد تخرجه، إلا خريج الصحافة، فعليه أن يدفع الثمن من شبابه أو حياته، فلا يدخل النقابة إلا بعد أن يلج الجمل من سم الخياط، فتعطف عليه صحيفة وتعينه، ليتم قيده تحت التمرين لمدة عام، ثم يحال بعدها إلى لجنة قيد تفحص حالته وتوافق على انضمامه إلى النقابة المقدسة! كم فتاة وفتى يجب أن يستشهد أو يصاب حتى تتعلم المؤسسات الصحفية المصرية أنها تساهم فى إهدار خيرة شباب هذا البلد، حين تلقى بهم فى أتون الموت دون تأمين، وحتى تفهم النقابة المقدسة أن زمن القداسة قد ولّى!