التمييز بين العرض والمَرَض نفسه هو المفتاح لتحديد أصل المشكلة، ومن ثم حلها، هل السُعال تسبب في الحساسية أم الحساسية هي التي تسببت في السُعال؟ إذا استطعت تحديد أيهما السبب وأيهما النتيجة، تعالج السبب فتختفي النتيجة، والسبب الرئيسي في كارثتنا هنا هي أن معظم الناس لا يستطيعون التمييز بين السبب والنتيجة. لذا وجب أن نفصل بين المشكلتين التاليتين، لأنه ليست أى منهما سببًا للأخرى، بل إن كل واحدة منهما هي موضوع مستقل بذاته تمامًا وأعرض عليكم بعض المشكلات: 1) مشكلة ملابس الفتيات الغير متوافقة مع التيار العام من وجهة نظر الناس بالطبع لأن الموضوع نسبي تمامًا . 2) مشكلة الشاب المتحرش، حتى لو كان ذلك بمجرد النظرات. يدّعي هواة المنع والتغطية أن الثانية نتيجة للأولى، أي أن المرض هو "ملابس الفتيات الغير محتشمة"، وبالتالي ظهر العَرَض متمثلًا في زيادة التحرشات في الشوارع، والحقيقة أن المشكلتان منفصلتان تمامًا، فاعتبارك أن التحرش بفتاة هو نتيجة لاختيارها لملابسها يساوي تصريح بانتهاك كل من لا ترتدي ملابس على هوى الشاب المتحرش، نعم هو تصريح، وقلت أنها مسألة أهواء لأن الملابس شىء نسبي تمامًا، فحتى التفسيرات الدينية بهذا الصدد تتعدد بين أبناء الدين الواحد. لا داعي أن أعيد نفس الكلام المستهلك عن مصر الستينيات التي كان أهالينا أنفسهم يرتدون فيها (الميني چيب) والفساتين ولم يكن يتعرض لهم أحد، ولا داعي أيضًا أن أعيد نفس الكلام المستهلك عن ارتفاع نسب الشذوذ في الدول التي تجرم وتمنع كل شىء، لأن هذا الكلام قيل كثيرًا من قبل وأصبح تكراره مملًا، أنت ترى بالطبع أن من واجبك إسداء النصح والدعوة لأخواتك بغض النظر عن كل شىء.. جميل، قم بإسداء النصح وانشر دعواك كيفما شئت مادامت من تكلمها سمحت لك أن تتكلم معها وأعطتك فرصة أن تسمعك؛ لأن تلك هي الحالة الوحيدة التي من حقك أن تنطق فيها.. هكذا تكون أديت دورك الدعوي مع الطرف الأنثوي من المشكلة، هل تشعر أنك أديت دورك الآن؟ ممتاز، ولكن هل حللت المشكلة حقًا بعد سنوات من زيادة التغطية؟ لا، بل إنه يبدو أحيانًا للمتأمل للأمر من بعيد أن نسبة التحرشات تتناسب طرديًا مع مقدار التغطية!. هنا يظهر صديقي الخبيث متسائلًا، مدفوعًا بتفكيره المتطرف المعتاد، قائلًا: "أنت تدعو لتعرّي البنات إذن مع إصلاح أخلاق الشباب؟"، لأجيبه أن الأمر الآن تحوّل إلى مسألة أولويات بعد أن أثبتنا بالتجربة خطأ دعواكم الفاشلة المتمثلة في "إخفاء الكارثة بالتغطية"، أيهما إذن يجب أن نعطيه الأولوية الآن: تغطيتهن أكثر وأكثر؟ أم إصلاح أخلاقهم؟، وأرجوك لا تتذاكى وتحدثني عن ضرورة أخذ الاتجاهين معًا، فلم يتبقى لك شىء لتغطيه سوى بأن تمنع النساء من الخروج من منازلهم أصلًا!. الآن وبعد إثبات ضعف منطق من يطالبون بالتغطية تجدهم يلعبون الكارت الأخير بأن "التغظية لدرء المفاسد بغرض حماية الفتيات من ضعاف النفوس من الرجال"، لقد ثبت لدينا بعد أعوام وأعوام من التجربة بالدليل القاطع كذب وتضليل كل هذه الدعاوى، وأدعوكم لتأمل صورة المقال الرئيسية والتي يظهر فيها شابين يتفحصان ما استطاعوا رؤيته من مرأه منتقبة تسير في الشارع، وهو "كعب قدمها!" هل قامت التغطية بحمايتها حقًا؟. بإمكانى إحضار مئات الصور من تحرشات الأعياد التي تكون باليد، وليست بالنظر خلال السنوات الماضية والموجودة في كل الجرائد، ولسيدات كهؤلاء، فهذه ليست حالة فردية بل هي اتجاة عام، كلما غطيت شيئًا سيبحث عن أي شىء آخر فيها يمكنه رؤيته، مادمت لم تصلح منه هو نفسه!. كان فيه صورة شهيرة لشباب يتحرشون بالنظر بسيدة منقبة، وبمناسبة هذه الصورة، صدمت صدمة عمري عندما كنت أناقش أحد الزملاء من أتباع التيار السلفي على "الفيس بوك"، وعرضت عليه تلك الصورة، فقال لي بالنص: "على فكرة الصورة اللي انت حاططها فوق دي بتأكد الكلام ان البنت دي لو مكنتش مبينة كعبها مكانوش بصوا عليها، بدليل إنهم سابوا كل حاجة وبصوا على كعبها، والكلام اللي على الصورة بيثبت أكتر وأكتر لأن في أوروبا فعلًا بتبقى لابسة ربع ده، وفعلًا محدش بيتحرش بيها، بس ممكن تقوللي بقه نسبة الزنا هناك كام؟، وهو ده اللي مسببلهم اكتفاء وعدم تحرش بيهم مش عشان مؤدبين و بيغضوا بصرهم.. وهو ده اللي فيه ناس عاوزانا نوصله، وهو إننا نوصل لنسبة الزنا دي علشان منتحرش بيهم في الشارع، ونِعم التفكير!. باختصار: في أوروبا لا يتحرشون بالنساء في الشوارع لأنهم ينامون معهنّ، بينما نحن هنا من كثرة طهارتنا نتحرش بهنّ في الشوارع!. تأمل جيدًا في كل ما يحدث حولك وتعلّم كيفية قراءة الأحداث وتحليلها، وقتها ستعرف أيهما العَرَض، وأين يكمن المرض.