الوفد النقابي في جنيف: مصر نموذج للدفاع عن كرامة العمال    الرئيس السيسى يصدق على تعديلات قوانين مجلسى النواب والشيوخ وتقسيم الدوائر الانتخابية    محافظ الإسماعيلية: افتتاح 11 مشروعًا توفر 31 ألف فرصة عمل باستثمارات 600 مليون دولار    مؤسسة أبو هشيمة عضو التحالف الوطني توزع لحوم الأضاحي بمحافظة بني سويف.. صور    اقرأ غدًا في «البوابة».. مُسيّرات وتهديد.. وزير الدفاع الإسرائيلى يأمر بمنع وصول سفينة كسر الحصار إلى غزة    إيران: العقوبات الأمريكية الجديدة غير شرعية وتنتهك القانون الدولي    سيراميكا يتأهل لنهائي الرابطة بعد الفوز على الإسماعيلي    إصابة شخص بطلق ناري في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    نسرين أمين تحتفل بالعيد بملابس صيفية | صور    قبل انطلاقه بنصف ساعة، إلغاء حفل لؤي في الإسكندرية لهذا السبب    قوافل علاجية ومبادرات صحية تجوب المنوفية في ثالث أيام عيد الأضحى    نصائح لتجنب الإمساك خلال فترة العيد    تقرير: بايرن ميونخ يضغط على ميلان لضم لياو    العودة لباريس أو البقاء مع يوفنتوس.. كولو مواني يكشف عن فريقه في كأس العالم للأندية    أخبار مصر اليوم.. السيسي يصدق على تعديل قانوني مجلس النواب والشيوخ    إعلام عبري: جثة السنوار في قبضة إسرائيل    المجلس الوطني الفلسطيني: إسرائيل حوّلت غزة إلى مقبرة جماعية    أكلات عيد الأضحى.. طرق تحضير الكوارع وأشهى الأطعمة    في ثالث أيام العيد.. مدير معهد بحوث أمراض النباتات يتفقد محطة سدس    رونالدو يكشف: عملت مترجمًا ل ميسي!    فضيلة الإمام الأكبر    براتب 10 آلاف جنيه.. الإعلان عن 90 وظيفة في مجال الوجبات السريعة    إلهام شاهين من الساحل الشمالي.. «الله على جمالك يا مصر» | صور    لدغة عقرب تُنهي حياة "سيف"| المئات يشيعون جثمانه.. والصحة ترد ببيان رسمي    سحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق في أمريكا (تفاصيل)    عقرهما كلب شرس.. تفاصيل إصابة طالبين داخل "سايبر" بالعجوزة    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هدف الزمالك.. خطوة واحدة تفصل زين الدين بلعيد عن الوكرة القطري    تنسيق الجامعات 2025، قائمة الجامعات المعتمدة في مصر    «الحج دون تصريح».. ترحيل ومنع «المخالفين» من دخول السعودية لمدة 10 سنوات    الدفاع المدني فى غزة: الاحتلال يمنع إنقاذ الأحياء فى القطاع    مى عز الدين تتألق في جلسة تصوير جديدة وتعلن عودتها للتفاعل مع جمهورها    تجهيز 100 وحدة رعاية أساسية في الدقهلية للاعتماد ضمن مؤشرات البنك الدولي    الداخلية تواصل تطوير شرطة النجدة لتحقيق الإنتقال الفورى وسرعة الإستجابة لبلاغات المواطنين وفحصها    196 ناديًا ومركز شباب تستقبل 454 ألف متردد خلال احتفالات عيد الأضحى بالمنيا    بقرار من رئيس جهاز المدينة ..إطلاق اسم سائق السيارة شهيد الشهامة على أحد شوارع العاشر من رمضان    وزير الخارجية يبحث مع نظيره التركى تطورات الأوضاع فى غزة وليبيا    متحف شرم الشيخ يطلق فعاليات نشاط المدرسة الصيفية ويستقبل السائحين في ثالث أيام عيد الأضحى    لا يُعاني من إصابة عضلية.. أحمد حسن يكشف سبب غياب ياسر إبراهيم عن مران الأهلي    "سكاكين العيد".. حرب شوارع تنتهي بمقتل شاب في المحلة    ضبط عاطلين بحوزتهما حشيش ب 400 ألف جنيه    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    مراجعة نهائية متميزة في مادة التاريخ للثانوية العامة    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    موعد عودة الوزارات للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025. .. اعرف التفاصيل    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    مصرع وإصابة 14 شخصا في حادث تصادم بالشرقية    4 أبراج جريئة في التعاملات المالية.. عقلانيون يحبون المغامرة وخطواتهم مدروسة    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    محافظ أسيوط: لا تهاون مع مخالفات البناء خلال إجازة عيد الأضحى    أمين المجلس الأعلى للآثار يتفقد أعمال الحفائر بالأقصر    كامل الوزير يتابع حركة نقل ركاب القطارات ثالث أيام العيد، وهذا متوسط التأخيرات    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    استشهاد 11 شخصا وإصابة العشرات في قصف إسرائيلي قرب مركز توزيع مساعدات بغزة    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان يتآمرون والجيش ينذر
رجل من مصر‮: «‬السيسى».. بين الماضى والمستقبل
نشر في الوطن يوم 16 - 04 - 2014

فى الحلقة الثانية من حلقات «‬رجل من مصر.. السيسى بين إرث الماضى وتحديات المستقبل‮»، يتناول الكاتب الصحفى مصطفى بكرى تفاصيل بوادر الصدام المتصاعد بين «السيسى» والمؤسسة العسكرية من جانب وبين «مرسى» وجماعة الإخوان وحلفائها من جانب آخر.
كان البيان الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة فى الثامن من ديسمبر 2012، الذى حذر فيه «السيسى» جميع القوى من مخاطر الخلاف الحاد بينها هو البداية الحقيقية للمواجهة بين الطرفين.. وكان إنذاراً حاسماً بأنه لن يسمح بسقوط الدولة أبداً. منذ هذا الوقت، قررت جماعة الإخوان إبعاد «السيسى» عن قيادة الجيش، فراحت تُفشل دعوته للحوار وتطالب «مرسى» باستغلال الفرصة وإقالته من موقعه وراحت تطلق الشائعات بهدف النيل من سمعته ونزاهته.
كان الجيش يدرك أبعاد المؤامرة؛ لذلك أصدر فى هذا الوقت بياناً على لسان مصدر عسكرى هدد فيه بأن الجيش لن يصمت فى حال إقدام السلطة على تكرار سيناريو عزل المشير طنطاوى والفريق سامى عنان.
شكلت أحداث «الاتحادية» نقطة فاصلة بين الفريق أول عبدالفتاح السيسى والرئيس محمد مرسى وجماعته، أدرك «السيسى» أن البلاد تمضى نحو الفوضى والانقسام، وأن جماعة الإخوان مصممة على حكم الشعب بالحديد والنار.
لقد حدث ما توقعه «السيسى»، احتشد مئات الآلاف حول قصر الاتحادية فى الرابع من ديسمبر، هتفوا: «‬يسقط حكم المرشد»، أشعل الإخوان فى اليوم التالى المعركة وأحرقوا خيام المعتصمين واعتدوا عليهم، سقط أكثر من عشرة شهداء وجُرح المئات الآخرون.
بعد الأحداث مباشرة، طلب «السيسى» من «مرسى» وضع حد لاعتداءات ميليشيات الإخوان على المواطنين، قال له‮: إن البلاد تمضى نحو الهاوية، وإن الجيش لن يظل صامتاً على المخاطر التى يتعرض لها الأمن القومى للبلاد.
طلب «السيسى» من «مرسى» إصدار بيان لتهدئة الشارع ودعوة القوى السياسية والأحزاب للحوار والاتفاق على نقطة انطلاق للأمام والتراجع عن الإعلان الدستورى الجديد.. حذر «السيسى» من خطورة التصعيد وظن أن الرئيس سوف يعبّر عن ذلك فى خطابه.
وفى مساء الخميس 6 ديسمبر 2012، كان «مرسى» يلقى بياناً للشعب يردد فيه اتهامات لا أساس لها، ويدعى على النيابة العامة وينسب لها أكاذيب تم دحضها من المستشار مصطفى خاطر، المحامى العام لنيابة شرق القاهرة.
لقد قال «مرسى» فى بيانه: «‬إن قوات الأمن ألقت القبض على أكثر من 80 متورطاً فى أعمال عنف وحمل للسلاح ومستعمل له، وإن النيابة العامة قد حققت مع بعضهم، والباقون محتجزون قيد التحقيق بمعرفتها‮».
وقال: «‬إنه من المؤسف أن بعض المقبوض عليهم لديهم روابط عمل واتصال ببعض ممن ينتسبون أو ينسبون أنفسهم للقوى السياسية، وبعض هؤلاء المستخدمين للسلاح والممارسين للعنف من المستأجرين مقابل مال دُفع لهم، وكشف ذلك التحقيقات واعترفوا بها‮».
وقال «مرسى»: «‬لقد رأينا قبل ذلك حديثاً مجملاً عن الطرف الثالث فى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد، ولم يتمكن أحد من التوصل للطرف الثالث‮»، وقال: «‬إن هؤلاء المقبوض عليهم تكلموا عنهم وعن ارتباطاتهم بهم، وإن اعترافات هؤلاء سوف تعلِن النيابة العامة نتائجها فى ضوء التحقيقات التى تجرى الآن فى هذه الوقائع المؤسفة مع مرتكبيها والمحرضين عليها ومموليها، فى الداخل كانوا أو فى الخارج‮».
كان رد النيابة مفحماً ل«مرسى» ولجماعته، تم الإفراج عن المقبوض عليهم، وأكد المستشار مصطفى خاطر، ومعه كل من سامح عصام وإبراهيم صالح، أنه لا توجد أدلة تثبت تورط المتهمين فى أعمال عنف وأن محاضر التحريات جاءت لصالحهم، وأنهم تعرضوا لتعذيب شديد على يد عناصر جماعة الإخوان.
كانت الأزمة فى هذا الوقت قد بدأت تتصاعد بشكل سريع، عقد الفريق أول عبدالفتاح السيسى اجتماعاً بالقيادة العليا للقوات المسلحة بعد هذه الأحداث مباشرة، ناقش الاجتماع الموقف الراهن ومخاطره، وكان الرأى السائد أن الجيش لا بد أن ينذر جميع القوى السياسية وأن يحذر من خطورة ذلك على أمن البلاد واستقرارها.
فى هذا الوقت، جرى الاتفاق على ضرورة إصدار بيان من القيادة العامة للقوات المسلحة يحذر وينذر، ويطالب الجميع بالحوار من أجل مصلحة البلاد وأمنها القومى.
لقد حذر البيان، الصادر فى الثامن من ديسمبر 2012، من وجود مخاطر شديدة تهدد أركان الدولة المصرية بسبب استمرار الانقسامات التى تشهدها الساحة السياسية، وما نتج عنها من أحداث مؤسفة كان من نتيجتها سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى.
وأشار البيان ‬إلى أن «القوات المسلحة تتابع تطورات الموقف الحالى وتداعياته بمزيد من الأسى والقلق، وأنها تنحاز دوماً إلى شعب مصر العظيم وتحرص على وحدة صفه، باعتبارها جزءاً أصيلاً من نسيجه الوطنى وترابه المقدس‮».
وقد اقترح الفريق أول عبدالفتاح السيسى، فى الاجتماع، ضرورة الدعوة إلى حوار مشترك يجمع بين القوى السياسية للتوصل إلى قاسم مشترك بين الجميع يضع حداً للانقسامات التى بدأت تسود البلاد فى هذا الوقت.
لقد أشار البيان بشكل واضح ‬إلى أن «القوات المسلحة تدعم الحوار الوطنى والمسار الديمقراطى الجاد والمخلص حول القضايا والنقاط المختلف عليها، وصولاً للتوافق الذى يجمع جميع أطياف الوطن‮».
وحذَّر البيان من خطورة استمرار المواقف الحالية؛ حيث وجه رسالته لجميع القوى بلا استثناء بالقول: «‬إن عدم الوصول إلى توافق واستمرار الصراع لن يكون فى صالح الوطن، وسيدفع ثمن ذلك الوطن بأكمله‮».
وحذر البيان من خطورة ما تشهده الساحة الداخلية والإقليمية والدولية من تطورات بالغة الحساسية، حتى يمكن تجنب الوقوع فى تقديرات وحسابات خاطئة تجعلنا لا نفرق بين متطلبات معالجة الأزمة الحالية والثوابت الاستراتيجية المؤسسة على الشرعية القانونية والقواعد الديمقراطية التى تم التوافق عليها بين الجميع، وتم قبول التحرك على أساسها إلى المستقبل‮.
■ ■‬
بعد صدور بيان القيادة العامة للقوات المسلحة، سادت حالة من الارتياح لدى الشارع المصرى، غير أن هذا البيان أثار على الجانب الآخر (‬الإخوان والسلطة‮) قلقاً شديداً.
فى هذا الوقت، عقدت هيئة مكتب جماعة الإخوان اجتماعاً عاجلاً لمناقشة دلالات هذا البيان وأبعاده الراهنة والمستقبلية؛ حيث ناقش المجتمعون جميع الخيارات المطروحة لوضع حد لما سموه محاولات عودة الجيش إلى المشهد السياسى مرة أخرى.
وبعد مناقشات مطولة، تم إعداد تقرير، ثم إخطار الرئيس محمد مرسى بمضمونه والخيارات المطروحة لمواجهة هذا البيان، ومن أبرز ما تضمنه هذا التقرير ما يلى:‬
1- أن هذا البيان الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة تم دون التشاور مع السيد رئيس الجمهورية بصفته والقائد الأعلى للقوات المسلحة، مما يؤكد أن الفريق أول عبدالفتاح السيسى يرفض الاعتراف بشرعية الرئيس كقائد أعلى للقوات المسلحة ويتصرف ومن معه فى غيبة عنه.
2- أن هيئة مكتب جماعة ‬الإخوان المسلمين‮ تحذر من خطورة عودة الجيش إلى صدارة المشهد السياسى بعد أن انتهى دور المجلس العسكرى بوصول الرئيس المنتخب إلى قمة السلطة التنفيذية والعسكرية، وهو أمر يمثل تجاوزاً لا بد من التصدى له فى مهده.
3- أن البيان الصادر عن القوات المسلحة يمثل اعتداءً سافراً على جميع مؤسسات الدولة؛ حيث تضمن تحذيراً واضحاً وإنذاراً يقضى بالتوصل إلى اتفاق، وهو أمر ليس من صميم عمل القوات المسلحة، مما يتطلب من السيد الرئيس محاسبة المسئولين عن إصدار هذا البيان حتى لا يتكرر السيناريو مرة أخرى.
4- أن مهمة الدعوة إلى الحوار ليست من صميم عمل أو اختصاص القوات المسلحة وإنما هى دعوة يوجهها ويرعاها رئيس الجمهورية، وما حدث أن البيان اعتدى بذلك على سلطات الرئيس، مما يمثل خروجاً على دورها المحدد، وهو أمر أيضاً لا يجب أن يمر دون حساب.
تدارس الرئيس «مرسى» رؤية جماعة الإخوان وسبل مواجهة بيان القوات المسلحة، وكان من رأى الرئيس فى هذا الوقت: الانتظار لبعض الوقت لحين عودة الأوضاع إلى الهدوء، لقد أصرَّ الرئيس «مرسى» على رأيه فى هذا الوقت، مما أحدث خلافاً كبيراً بينه وبين المهندس خيرت الشاطر، الذى كان يرى ضرورة مواجهة وزير الدفاع ومحاسبته على هذا البيان، الذى كان يرى فيه تحريضاً لقوى المعارضة ضد السلطة (‬الشرعية‮)!!‬
فى التاسع من ديسمبر 2012، كان هناك لقاء مشترك لقادة الجيش والشرطة، وقد طرح اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية، اقتراحاً على الفريق عبدالمنعم التراس، قائد قوات الدفاع الجوى، يقضى بقيام الجيش بمبادرة لرعاية حوار بين القوى السياسية المختلفة، بعيداً عن القصر الجمهورى، رحَّب الفريق أول عبدالفتاح السيسى بهذا الاقتراح، وتم إبلاغ د. أحمد عبدالعاطى، مدير مكتب الرئيس، بمضمون الاقتراح لإبلاغه إلى الرئيس.
فى اليوم التالى، كان هناك اتصال بين وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى ورئيس الجمهورية د. محمد مرسى، طرح خلاله على الرئيس مضمون الاقتراح الذى يقضى بعقد لقاء بين القوى السياسية المختلفة تحت رعاية القوات المسلحة، على أن يحضر الرئيس جلسته الافتتاحية، بهدف إزالة الاحتقان بين أبناء الوطن الواحد.
وافق الرئيس على الاقتراح، وطلب من وزير الدفاع أن يمضى فى الطريق، وأن يوجه الدعوة باسم القوات المسلحة إلى الجميع بلا استثناء.
كان الرئيس قد وافق على الاقتراح دون التشاور مع جماعته، مما أثار غضب المهندس خيرت الشاطر، فدعا إلى عقد اجتماع عاجل لمكتب إرشاد الجماعة لمناقشة الاقتراح، وفى هذا الاجتماع تم توجيه انتقادات حادة إلى الرئيس «مرسى»، وتوصل المجتمعون إلى قرار يقضى برفض اللقاء من أساسه، ما لم يتم داخل القصر الجمهورى وتحت رعاية الرئيس شخصياً.
كان رأى المهندس خيرت الشاطر أن السماح للقوات المسلحة برعاية الحوار والدعوة له يعنى أن الجيش أصبح هو القاسم المشترك بين الجميع، وأنه تمكن من نزع سلطات رئيس الجمهورية الذى لم يعد فى نظر الكافة محايداً بين الجميع.
انتظرت «‬الجماعة‮» لحين إبداء الآخرين رأيهم فى الحوار الذى دعا إليه وزير الدفاع، فوجئ المرشد العام بأن جميع القوى السياسية قد وافقت بما فى ذلك جبهة الإنقاذ.
طلب الرئيس «مرسى» من وزير الدفاع فى هذا الوقت ضرورة أن يقتصر اللقاء على مائدة غداء يحضرها الرئيس ويلقى كلمة وينتهى الأمر عند هذا الحد، وافق الفريق أول عبدالفتاح السيسى على مضض، وعبّر القادة العسكريون عن غضبهم الشديد من الحملة التى بدأت تحرض عليها جماعة الإخوان ضد دعوة القوات المسلحة.
فى هذا الوقت، سعت القوات المسلحة إلى إنهاء الأزمة المتصاعدة، فراح اللواء محمد العصار، مساعد وزير الدفاع، يدلى بتصريحات تليفزيونية يؤكد فيها أن اللقاء هو لقاء إنسانى وعلى مائدة غداء وهدفه إزالة الاحتقان.
ظن قادة الجيش أن الأمر انتهى عند هذا الحد، بدأت المراسم العسكرية توجه دعواتها للقوى السياسية والشخصيات العامة لحضور اللقاء الذى حدد له موعد الثالثة من ظهر يوم الأربعاء 12 ديسمبر بمقر القرية الأولمبية بنادى الدفاع الجوى.
وفجأة، أجرى «مرسى» اتصالاً بالفريق أول السيسى أبلغه فيه بإلغاء الاجتماع المقرر؛ لأن حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان يرفضان الحضور؛ لأن الحوار يتم بعيداً عن مقر رئاسة الجمهورية.
أدرك الفريق أول السيسى مغزى الاتصال، دعا إلى اجتماع عاجل للقيادة العامة للقوات المسلحة، تم الاتفاق خلاله على إرجاء الدعوة للحوار، وقيل يومها إن ردود الفعل لم تأتِ على المستوى المتوقع منها.
كان رد الفعل غاضباً لدى قيادات وضباط وأفراد القوات المسلحة، أدرك القادة السياسيون أن جماعة الإخوان تملى شروطها على الرئيس، وأن القرار الأول والأخير هو فى يد مكتب الإرشاد وليس فى يد الرئيس محمد مرسى!!‬
فى هذا الوقت، بدأت جماعة الإخوان خطة لاستفزاز الفريق أول عبدالفتاح السيسى ودفعه إلى الصدام مع الرئيس والجماعة، حتى يكون هناك مبرر لعزله.
شن المرشد العام لجماعة الإخوان فى رسالته الأسبوعية يوم الخميس 20 ديسمبر 2012 هجوماً شرساً ضد الجيش المصرى وقيادته قال فيه‮: «‬إن جنود مصر طيعون، لكنهم يحتاجون إلى قيادة رشيدة توعيهم بعد أن تولى أمرهم قيادات فاسدة‮».
كانت دلالات الكلمات واضحة أنها تحرّض الجنود والضباط على القادة وتؤكد أن من يقودون الجيش المصرى فى هذا الوقت يفتقدون الرشد وهم أيضاً قيادات فاسدة.
لقد أثار هذا التصريح ردود فعل كبيرة داخل الجيش والمجتمع على السواء، مما دفع مصدراً عسكرياً إلى الرد على مرشد الجماعة بالقول‮: «‬إن مبدأ (‬الطاعة‮)، أى تنفيذ الأوامر العسكرية، ليس عيباً، أو طاعة عمياء، لكنه ميزة عسكرية، لا تعنى تلقى الأوامر والتنفيذ دون مناقشة، بل إسهام فى الرأى وحوار بين القادة والجنود، وهو منهج موجود رسخته القيادات العسكرية السابقة».
وأمام حالة الغليان التى سادت صفوف رجال القوات المسلحة، أجرى الفريق أول عبدالفتاح السيسى اتصالاً بالرئيس محمد مرسى عبَّر فيه عن غضبه من تطاول المرشد وآخرين على القوات المسلحة، وطلب منه بشكل واضح ضرورة أن يعتذر المرشد عن هذه الإساءات.
فى هذا الوقت، أبلغ محمد مرسى مرشد الجماعة بموقف الجيش وطالبه بتوضيح الموقف حتى يمكن تلافى هذه الأزمة وتداعياتها.. وبعدها بأيام قليلة اضطر المرشد أن يؤكد إشادته بقادة الجيش المصرى وراح يحمِّل من اعتبرهم يريدون الوقيعة مسئولية التفسير الخاطئ لتصريحاته ووجَّه حديثه إليهم بالقول‮: «‬ضل سعيك وخاب أملك، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله‮».
لم يقف الأمر عند هذا الحد، ولم ترضَ القوات المسلحة بهذه الكلمات الباهتة التى أطلقها المرشد لمحاولة إرضاء الخواطر، وعندما راح البعض يفسر أن التصريح كان مقصوداً به القادة السابقون (‬المشير طنطاوى والفريق سامى عنان وأعضاء المجلس العسكرى‮) رد عليهم الفريق أول السيسى فى الرابع والعشرين من ديسمبر 2102 عندما أشاد بالقادة السابقين للقوات المسلحة الذين قال عنهم: «إنهم ضربوا أروع الأمثلة فى التضحية والفداء من أجل الوطن، وإنهم وضعوا المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار، فكانوا خير من حمل الأمانة‮».
وقال السيسى: «‬إن المؤسسة العسكرية تمارس مهامها بتجرد تام ولا يعنيها إلا شعب مصر الذى تنحاز إليه دائماً فى إطار عقائد استراتيجية راسخة تقضى بأهمية عدم التدخل فى الصراعات والممارسات السياسية وحتى لا تكون مع طرف ضد آخر، إدراكاً منها لمخاطر ذلك على الأمن القومى والاستقرار الداخلى».
■ ■‬
فى السادس والعشرين من يناير، ترأس محمد مرسى اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطنى بحضور أعضاء المجلس، وفى مقدمتهم وزير الدفاع، كان البند الأهم على جدول الأعمال هو المتعلق بالأحداث التى شهدتها مدينة بورسعيد بعد صدور حكم بالإعدام ضد عدد من المتهمين فى قضية مقتل نحو 73 من ألتراس أهلاوى.
فى هذا الاجتماع، جرى حوار حاد بين الرئيس ووزير الدفاع، خاصة عندما اتهم «مرسى» أن ما يجرى فى بورسعيد ومناطق أخرى من أحداث عنف هو من تدبير قوى المعارضة، وهو أمر رفضه «السيسى» وحمَّل الرئيس شخصياً مسئولية هذه الأحداث بسبب الانقسام الحادث فى المجتمع ورفض الاستجابة لدعوة الحوار للوصول إلى قاسم مشترك بين الجميع.
وفى هذا الاجتماع، صمم «السيسى» على إضافة فقرة مهمة فى البيان الختامى خاصة بدور القوات المسلحة؛ حيث أكد البيان فيها أن «‬القوات المسلحة ملك للشعب المصرى وتقف على مسافة واحدة من الجميع ولا تتدخل فى العملية السياسية، إلا أنها فى الوقت نفسه تدرك واجبها الوطنى وحقوق شعبها عليها فى تأمين منشآته الحيوية وتحرص على تحقيق الشعب لطموحاته وآماله ومبادئ ثورته العظيمة‮».
كان «السيسى» مصمماً على رفض محاولات الصدام مع الشعب والزج بالقوات المسلحة إلى مستنقع الدم الذى بدأ يستشرى فى البلاد، وهو أمر دفع بالجماعة إلى مزيد من التربص بوزير الدفاع وقادة الجيش فى هذا الوقت.
كانت جماعة الإخوان تمتلك جهازاً للرصد الشعبى وإطلاق الشائعات، وبدأ هذا الجهاز يعد العدة لإشغال قادة الجيش بعيداً عن المؤامرة التى كانت تُحاك ضد البلاد فى هذا الوقت.
لقد بدأوا بترديد معلومة كاذبة خرجت من مكتب رئيس الشركة القابضة للمطارات فى هذا الوقت، الذى كان معروفاً بانتمائه لجماعة الإخوان، وكانت الشائعة تقول‮: «‬إن ابنة السيسى جرى تعيينها فى الشركة القابضة للمطارات‮»، كان الهدف هو الإساءة إلى «السيسى»، تركوا الشائعة تسرى كالنار فى الهشيم ورفضوا الرد عليها، مما اضطر المتحدث العسكرى باسم القوات المسلحة إلى إصدار بيان يعلن فيه عدم صحة الشائعة من الأساس‮.
وبعد نفى هذه الشائعة، أطلقوا شائعة جديدة كانت بمثابة بالون اختبار تقول‮: «‬إن قراراً سوف يصدر بإقالة الفريق أول عبدالفتاح السيسى من منصبه، وإن القرار سوف يطال قيادات عسكرية أخرى من أبرزها الفريق صدقى صبحى، رئيس الأركان‮».
وفى ساعات قليلة، تحولت الشائعة وكأنها حقيقة، يجرى التعامل معها، خاصة بعد أن أذاعت قناة «‬روسيا اليوم‮» الخبر بتفصيلاته كاملة.
سرت حالة من الاستنفار فى صفوف الجيش، ساد الغضب جميع الأوساط، شعر الجميع أن سيناريو إبعاد المشير طنطاوى والفريق سامى عنان وآخرين بدأ يتكرر من جديد، مما اضطر مصدراً عسكرياً إلى أن يصدر بياناً يتضمن رسالة واضحة ومحددة إلى الرئيس «مرسى» وجماعته تضمنت وجود حالة من الغضب الشديد سيطرت على ضباط وجنود القوات المسلحة بعد تسريب معلومات وأخبار تتناول المؤسسة العسكرية ورموزها والترويج لفكرة إقالات محتملة لكبار قادة الجيش، وعلى رأسهم الفريق أول عبدالفتاح السيسى، القائد العام وزير الدفاع والإنتاج الحربى.
وأكد المصدر العسكرى، بشكل واضح، ‬أن «الجيش المصرى لن يسمح بتكرار سيناريو خروج المشير حسين طنطاوى والفريق سامى عنان مع الفريق أول عبدالفتاح السيسى والقادة الآخرين، وأن المساس بقادة القوات المسلحة خلال الفترة الراهنة سيكون أشبه بحالة انتحار للنظام السياسى القائم بأكمله.
وأشار البيان العسكرى ‬إلى أن «القوات المسلحة حاولت قدر الإمكان فى الفترة الماضية الابتعاد عن المشهد السياسى الراهن بكل تفاصيله وصراعاته بين النظام القائم والمعارضة والتزمت الحياد والسلمية طوال الوقت ولم تطمع أبداً فى السلطة وأن الرأى العام لن يقبل المساس بالمؤسسة العسكرية وقادتها وسيتكاتف معهم لمواجهة أى ضغوط أو تحديات‮».
وأكد المصدر العسكرى أن هناك حالة من السخط تسود بين القادة والضباط فى مختلف التشكيلات التعبوية، جراء ما يتردد فى وسائل الإعلام حول نية النظام إقالة وزير الدفاع من أجل «‬أخونة‮» المؤسسة العسكرية التى ظلت على مدار تاريخها نموذجاً للتضحية والفداء فى مختلف العصور، ودافعت عن كرامة الوطن والمواطن المصرى فى أصعب الظروف وانحازت دائماً إلى صفوف أبناء الشعب المصرى.
كان بيان المصدر العسكرى قوياً ومؤثراً، وهو ما اضطر مؤسسة الرئاسة إلى إصدار بيان للرد على هذه الشائعة التى كان يراد منها جس النبض؛ حيث أشار البيان الرئاسى إلى أن هذه الشائعة وراءها مؤامرة روسية ودولية كبرى هدفها الانتقام من الرئيس لأنه يناهض نظام «الأسد»، بل راحت مؤسسة الرئاسة توجه الاتهام أيضاً إلى العديد من القوى السياسية المعارضة وحمَّلتها مسئولية هذه الشائعات لدفع الجيش إلى الخروج على الشرعية.
كانت هذه الشائعة تحاول النَيل من سمعة ونزاهة الفريق أول عبدالفتاح السيسى، خاصة بعد تسرب معلومات حول خطابه الذى ألقاه فى نادى الجلاء يوم 14 فبراير 2013، والذى أكد فيه أنه لن يسمح أبداً بأخونة الجيش المصرى وهدد فيه بقطع أى ذراع تمتد لمحاولة النَيل من هذا الجيش أو اختراقه.
وقال يومها بلغة حادة وفى إشارة لا تخلو من معنى: «إن جيش مصر سيبقى فقط منحازاً للشعب المصرى وإن الجيش لن يسمح أبداً بسقوط الدولة وسيتصدى لمحاولات تفتيتها، وإنه وإن كان يقف على مسافة واحدة من الجميع، وليس طرفاً فى الصراعات الراهنة، إلا أنه يراقب الموقف ويتابعه ولن يسمح أبداً بانهيار الاستقرار وسقوط الدولة‮».
عندما وصلت هذه المعلومات من جهاز «‬الرصد الشعبى»، وهو جهاز مخابراتى أنشأه الإخوان للتجسس على مؤسسات الدولة المختلفة، انتشرت حالة جديدة من القلق داخل صفوف جماعة الإخوان، وفى هذه المرة كان القرار حاسماً: لا بد من إبعاد «السيسى» عن الجيش بأية طريقة، قبل أن يستفحل الأمر، ويجد الجيش نفسه مدفوعاً إلى الانحياز للتحركات الشعبية المعارضة، فكانت الخطة وكان المخطط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.