أعرف أنه اسم لفيلم هندي قديم ولكنها حياتي، كنت فتاة ريفية صغيرة يمتلئ قلبي براءة ونقاء، فلا أحمل أدنى ضغينة لأحد حتى واجهتني مواقفا صعبة اضطررت فيها أن أصارع طواحين الهواء، أحببت ابن عمي الذي يعيش في المدينة ويأتي لزيارتنا بصحبة عمي ومعه زوجته وبناته الثلاثة. أحببته في صمت فكان كلما أتى بصحبة عمي لزيارتنا في بيتنا الريفي الكبير، حتى أشمّر عن سواعدي مع أمي لأعدّ لهم وليمة كبيرة تليق بمقامهم عندي، وكان عمي يحبني كثيرا فيلاطفني ويداعبني بينما لم يُظهر لي ابن عمي أي اهتمام، وظل حبي له صامتا حتى جاء عمي وحده يوما وهمس في أذن أبي وهمس أبي بدوره في أذن أمي، وأطلقت أمي بعدها زغرودة طويلة علمت منها أن ابن عمي تقدم لخطبتي. لم أصدٌق نفسي في بادئ الأمر، ولكن ما أن تمت مراسم الزواج حتى صدقت وقلبي يكاد يطير من الفرح، وإن كانت علامات الاستفهام لم تغادر رأسي أبدا وأنا أتساءل عن سرّ غياب ابن عمي وفتوره، وقالت أمي أنه ذهب ليعمل في الخارج ليزوّد من دخله ولم أره إلا يوم الزفاف الذي لم أتهنى به لوفاة عمى بعدها بأيام قليلة، فسرت لي حزن زوجي وتجاهله لي وعدم اكتراثه بي كعروس. نظرت حولي في بيت زوجي الذي هو في الأصل بيتا للعائلة، فرأيت كمّا عجيبا من البرود ومعاملة جافة تفوق الوصف، وكأن هؤلاء ليسوا زوجة عمي وبناته اللاتي لطالما ضحكن معي في منزلنا الريفي، وشاركنني لحظات الفرحة والمرح، وبغياب عمي غاب كل شيء، فأصبح مفروضا على أن أخدم في بيتي وفي بيت زوجة عمي حتى تعبت، وخاصة أنني كنت في شهور حملي الأولى ورغم هذا لم أستطع المعارضة، فنظرات زوجة عمي الصارمة وحدها كانت تكفي لإيقاف الشكوى على لساني، هذا غير معاملة بناتها وتعليقاتهن السخيفة وإيحائتهن الغير مقبولة. تحمّلت كل هذا بصبر عجيب وبينما أنا أنظف غرفة زوجة عمي يوما، رأيت ورقة تسقط من الخزانة ورغما عني وقعت عيناي على سطورها وأصابني الفزع، كانت من زوجي في غربته لعمي وكان يعلن فيها عدم رغبته في الزواج مني، وكيف أنني دون المستوى وأقل منهم في كل شيء، فأصابني الإحباط الشديد وأدركت أن عمي أرغمه على هذه الزيجة، فتساقطت دموعي وأنا أتذكر تلميحات أخواته "وهيه كانت تطول، يدّي الحلق للي بلا ودان، عيني عليك يا خويا وعلى بختك الأسود". ونظرت لبطني التي كبرت بشكل ملحوظ وأدركت أنه قد فات الأوان، احتفظت بالخطاب ولم أخبر زوجي بشيء ولم أشكو حزني إلا لله، وسرعان ما مرت الأيام من حمل لولادة لحمل آخر لولادة لأيام طويلة وسنوات عجاف، ولا شيء أبدا يبقى على حاله وتعجبت من تصاريف الأقدار، مرضت زوجة عمي مرضا شديدا وتخلّت عنها بناتها، فلم يخدمها سواي، وتبدلت أحوال البنات فبعد القوة والعنفوان والجبروت الذي أعطاهن الزمان من كل الألوان، توفى زوج الأولى وكسدت تجارة زوج الثانية ورزق الله الثالثة بطفل مريض فانشغلت به عن الدنيا، أما زوجي فنجحت تجارته وذاع صيته فكان يستشيرني في كل كبيرة وصغيرة وكبر أولادي على أحسن ما يكون من تربية وأخلاق ومراكز علمية وأنا التي تحملت كل هذا من أجلهم. جدد زوجي بناء بيتنا، فأصبح مترامي الأطراف ونظرت حولي وابني الطبيب يقبل يدي صباحا ويجلس بجواري على مائدة السفرة الممتدة، وقد سبقه إليها اخوته الثلاثة المهندس والمحامي وأستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، وزوجي يشيد بي كعادته وبذكائي وحنكتي المعهودة، ليتناهى لمسامعي صوتا ضعيفا يأتي من الأريكة المجاورة ونظرت لحماتي وزوجة عمي العجوز وهي تقول بوجه ملئه الزمان تجاعيدا وأخاديدا "كنت عايزة أقولك حاجة يا ست الستات، سميرة بنت أحلام بنتي جالها عريس، وأنا قلتلها لا يمكن نوافق عليه غير لما أستأذن اخوك ومراته" فابتسمت بثقة واستدرت إليها أربت على كتفها الضعيف قائلة "صلّي أنتِ بس استخارة وبعدين خليها تتكل على الله، ومن ناحيتي أنا مش هاقصّر ف المصاريف". تهلل وجهها الصغير ورفعت ذراعيها للسماء قائلة بأقصى ما تستطيع من قوة "ربنا يباركلك يا غاليه يا بنت الغالي، احنا ملناش بعد ربنا إلا أنتوا"، عندها مددت يدي لصرّة صغيرة كنت أحتفظ بها دائما في ملابسي، وأخرجت منها خطابا قديما ذو أوراق صفراء كان قد كتبه زوجي من سنوات طويلة لعمي رحمه الله، فمزقته بكبرياء وأنا أهتف بصوت سمعه الجميع "اللي يتكل على مولاه، عمره أبدا ما يندم".