رأيتها صديقة الطفولة الجميلة شكلا ومضمونا، كنا رفقاء مشوار مبهج في أحلى فترات العمر، الطفولة والمراهقة، حيث تزاملنا في مدرسة ليسيه الحرية وفرقتنا الجامعة، اتجهت للقسم الفرنسي بكلية الآداب، ودرست أنا بكلية السياسة والاقتصاد. جمالها ترهل وشاح تفاؤلها "بدرى بدري"، فالحزن يكسو وجها النبيل، سألتها عن أحوالها وكانت فضفضة الثقة والانتماء لزمن الصدق الثمين، فقالت "تزوجت مع بداية دراستي الجامعية وبعد مرور أقل من شهور، توقف تتدفق حماسي للدنيا التي كانت في خيالنا"، انزعجت وقلت لها "هالة.. أنتِ إنسانة متميزة من صغرنا، كنت شخصية مقبلة على الحياة، تترفعي عن التفاهات والصغائر، قفزنا سويا من فوق دوامات مشاكل المراهقات، كنا نسبق عمرنا ويجرى خلفنا الراغبون والراغبات في كسب صداقتنا، خُطابك كثر وفؤادك ظل مغلقا في انتظار حبيب العمر المجهول. روت هالة "قابلته وعرفته وتزوجته في أقل من أربعة أشهر، تزوجت هذا الغريب المتأنق المثقف الرصين، وقلت في سرى "يا واد يا ثقيل" وقال قلبي وجدتها مثل "أرشميدس" عندما اكتشف قانون الجاذبية، قلبي بعث فيه حرارة الحب، وهو القلب الذي عانى طويلا من جفاف المشاعر العاطفية، رغم جمالي وعلمي ومستواي الاجتماعي لم يخفق قلبي إطلاقا لأحد، ورأيته وكان الحب الأول والأخير، إنه الحب من أول نظرة وشعرت باهتمامه أيضاً. تزوجنا ويا "خسارة نسي" على رأي "نجاة الصغيرة"، نسى أن له زوجه لديها آمال وأحلام، زوجة أغلقت أبواب قلبها في انتظار فارس الأحلام، ومن أول نظرة احتل مشاعرها وتربع على عرش كيانها وكل هذا الكرم العاطفي واجه برود، فهو يحب على طريقته، الطريقة العربية "المتخلفة" التي تركز على الكرم المادي وتبخل بالمشاعر والعاطفة، أقصاها من حياته ولم يشاركها لا في تربية طفل ولا غيرها. المشكلة إذا كانت مادية يقوم بحلها، ولكن الاحتواء والاهتمام والرعاية "لا"، فهو مشغول يعمل 48 ساعة في اليوم، هي والأولاد ليس لهم حق في وقته، ولكن يحفظ لهم حقهم العادي، "يا خسارة"، أكملت الإحباط أصبح صديقي وبيتي أنيق ولكن ليس بارد مثل صاحبه، أرعاه "بجهد يحترم" وبفرحة مصطنعة ولكنها مستمرة. الواقع المرير يقول أنه ارتبط بها لأنها مناسبة له، وأبداً لم يكن حبا، ولو كان حب لسعى لرفقتها وليس لتلبية مطالبها، يؤدى واجباته ولا يشعر أنه يؤذى مشاعرها، اللامبالاة مقبرة الحب، وهو لا يبالى بها، وأنهت فضفضتها قائلة "أنه حبي الأول، والحب الأول ليس وهما كبيرا كما يقول الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، لأنى ما زلت أحبه وأهتم به وإن فتر حماسي ولهفتي عليه".