على خلفية الاشتباكات الدامية التي نشبت بين قبيلتي بني هلال والنوبيين، وأسفرت عن سقوط 23 قتيلًا وإصابة أكثر من 30 آخرين حتى الآن، تذكرت قصة قابيل وهابيل والنزاع الذي جرى بينهما والغيرة التي أصابت قابيل من أخيه هابيل عندما تقبل الله القربان من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، وقتها احتدم بينهما الخلاف، وهنا يتجلى المشهد الرائع والصورة المثالية عندما قال هابيل لأخيه "لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ" هذا النداء العاطفي السمح الذي لم يستجدي قلب قابيل، وبالفعل قتل أخيه، وهنا المقتول فاز بالجنة والقاتل استحق النار، والغريب أن هذا الصراع بين الخير والشر لم يعد موجود في عصرنا الحالي وأغلب الصراعات الموجودة تندرج تحت الحديث النبوي (القاتل والمقتول في النار)، فالمقتول في النار لأنه لو كان تمكن من القاتل لكان قتله، وبكل وضوح أصبحنا نقتل بعضنا البعض في كل ليلة وكل يوم آلاف المرات والكل حسب إمكانياته، فمنا من يقتل الآخر بكلمة ومنا من يقتل بفتنة ومنا من يحقد ومن يحسد ومن يغتاب ومن يقذف المحصنات ومن يتنابز بالألقاب، ولا شك أن كل ما ذكرته هو أسلحة فتاكة تقتل دون أن تترك أثر للدماء.. هى باختصار أدوات (للقتل النفسي).. أدوات (للاغتيال المعنوي) تقتل الحب والأمل والتراحم والمودة.. أدوات تقتل الحنين والترابط.. أدوات تقتل الشوق واللهفة والحضن والألفة.. أدوات تقتل كل المعاني الروحانية..وفي الحقيقة كلنا قتلة. والكل يقتل الاآخر بإسلوب مختلف، وما نراه في شوارعنا من بلطجية ومن خرطوش ومن قتل بالرصاص الحي كل ذلك إنما هو نتيجة طبيعية، وتسلسل منطقي لما نحن فيه هذه هي إمكانات البلطجي في القتل، فمن يمتلك سلاح يسارع ليقتل به الآخر، ومن يمتلك كلمة أو فتنة أو نميمة يسارع ليقتل بها الآخر والكل حسب إمكانياته وحسب أدوات القتل المتوفرة لديه، وما حدث بين قبيلة بني هلال والنوبيين يؤكد أن القتل عندنا تحول إلى أسلوب حياة.. ماحدث يعكس الواقع الذي نعيشه.. واقع الجهل والتعصب والتطرف الفكري.. بالفعل اختفى نموذج هابيل من حياتنا.. وأصبحنا كلنا قابيل!.