على ضفاف نهر البوتوماك، وبالقرب من نصب «جورج واشنطن» التذكارى، الذى يتخذ من شكل المسلة المصرية الفرعونية رمزاً له، وداخل قاعة مسرح «أرينا» أحد أشهر وأعرق المسارح الأمريكية منذ تأسيسه فى خمسينات القرن الماضى، تعيش العاصمة الأمريكية«واشنطن» حالة فنية وسياسية وثقافية خاصة، ممثلة فى عرض مسرحية «كامب ديفيد» التى استحوذت على اهتمام أمريكى بالغ من مختلف الدوائر السياسية والإعلامية والدبلوماسية، واعتبرت بعض القراءات النقدية أنها «علامة مهمة فى المسرح السياسى الأمريكى». المسرحية التى تسرد لكم «الوطن» تفاصيلها، حملت خطوة مهمة فى طريق العالمية للنجم المصرى خالد النبوى، الذى بدأه ببطولة الفيلم الأمريكى «المواطن»، ويجسد خلال المسرحية شخصية الرئيس المصرى الراحل محمد أنور السادات. نجح «النبوى» وبامتياز فى انتزاع تصفيق الحضور داخل قاعة العرض فى أكثر من موقف، القاعة كانت تتسع لأكثر من 400 متفرج بلغت قيمة تذكرة الدخول 100 دولار للفرد الواحد، وهو رقم كبير مقارنة بالعروض المسرحية السياسية الأخرى التى عادة ما تعرض أعمالها داخل الجامعات، وبأسعار مخفضة أو رمزية لجذب الجمهور، ولكن يبدو أن رهان مخرجة العرض «مولى سميث» كان كبيراً على تحقيق نجاح مختلف لعملها المسرحى السياسى. اشترطت إدارة مسرح «أرينا» حضور الجمهور قبل بدء العرض بنصف ساعة، وجرى التنبيه على الحاضرين بعدم استخدام التليفون المحمول، وفى حال عدم احترام التنبيه سيتم حرمان من يخالف التعليمات من تكملة العرض وطرده خارج القاعة. فى السابعة والنصف مساء، كانت القاعة ممتلئة عن آخرها، انخفضت الأضواء، واتجهت أنظار الحاضرين صوب خشبة مسرح تبدو صغيرة لكنها مجهزة بإمكانيات مسرحية باهرة قادرة على تغيير أكثر من ديكور خلال العرض، بسلاسة لا تقطع تركيز المتفرج.. إذ تتدلى أشجار من سقف المسرح لتكوّن لوحة موحية بأجواء «منتجع كامب ديفيد»، وفى مرة أخرى يتحرك من الجانب «مجسم» لبيت ريفى أمريكى يوضح إقامة الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، وزوجته روزلين، داخل المنتجع. وفى مشهد آخر تنشق الأرض ويخرج منها مكان للاجتماعات والمفاوضات، وفى موقع آخر يظهر مقر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق مناحم بيجن، وفى أحد المشاهد الرئيسية للعرض الذى حمل صدام «السادات» و«كارتر» يظهر مقر إقامة الرئيس السادات فى المنتجع. لم يظهر فى العرض سوى 4 ممثلين، هم أبطاله الرئيسيون، وهم بحسب ترتيب تقديم إدارة المسرح لهم فى كتيب الدعاية، الذى جرى تقديمه للمتفرجين قبل العرض، الممثلة الأمريكية «هالى فوتى» التى أدت دور «روزلين كارتر»، والنجم المصرى «خالد النبوى» الذى جسد شخصية الرئيس الراحل «أنور السادات»، والممثل الأمريكى «رون رافيكان» الذى جسد شخصية «مناحم بيجن»، وأخيراً الممثل الأمريكى «ريتشارد توماس» الذى جسد شخصية الرئيس الأمريكى الأسبق «جيمى كارتر». بدأ العرض الذى استمر لمدة ساعتين جرى خلالهما تجسيد الصراع النفسى الذى عانى منه الثلاثى «السادات وكارتر وبيجن» خلال الثلاثة عشر يوماً من المفاوضات قبل التوصل لاتفاق كامب ديفيد، بمجموعة من المشاهد الوثائقية تبدأ بصوت الأذان وصور مساجد القاهرة، ثم يتداخل معها صوت الأدعية اليهودية وصور مصلين يهود، وبعدها عرض صور حقيقية لضحايا الحروب الإسرائيلية العربية وصولاً إلى حرب أكتوبر 1973، وبعدها يأتى صوت طائرة يظهر فيها جيمى كارتر وزوجته التى تذكره أنه أهمل أشياء كثيرة من أجل السلام فى الشرق الأوسط، ويذكرها بأهمية هذا الأمر له فى الانتخابات الرئاسية ويصطحبها لاستقبال الرئيس السادات. ويظهر السادات مع كارتر وزوجته مرحباً بهما «أهلاً صديقى جيمى» ثم يرحب بزوجته «روزلين كارتر» ويقبلها، يقول السادات «جيمى هل أنت مستعد لإقرار السلام؟» ليرد كارتر: «بالتأكيد»، فيتحدث السادات «أحمل تصوراً كاملاً سيوفر علينا الكثير من المعاناة»، ليطلب منه كارتر أن ينتظر لحين حضور «بيجن»، ثم يذهب كارتر لاستقبال «بيجن»، ويسأله رئيس الوزراء الإسرائيلى أين مقر إقامتى؟ فيشير له كارتر نحو المقر الذى تم إعداده لاستقباله، ثم يسأل عن مقر إقامة الرئيس السادات فيجيبه كارتر، فيتوقف بيجن عند هذه النقطة ويقول مداعباً الرئيس الأمريكى الأسبق «السادات يجلس بجوارك هل لأن كليكما رئيس وأنا رئيس وزراء أم أنه انحياز أمريكى؟». ثم يبدأ المشهد الثانى فى طليعة فجر يوم جديد، يظهر الرئيس السادات ومعه سجادة الصلاة ويقوم بتأدية صلاة الفجر وتأتى الصورة على مناحم بيجن وهو يقرأ أدعية يهودية، ثم يتحدث الرئيس كارتر إلى السماء طالباً العون من الله على حقن الدماء وأن يساعدهم فى إنهاء الحروب. وتأتى أولى جلسات المفاوضات، ليقدم الرئيس السادات التصور الذى عرضته مصر، ويعترض بيجن مبدئياً على مناقشة التصور المصرى دون الرجوع لمستشاريه، ثم يقول للسادات إنه ليس من حقه أن يتحدث باسم العرب ويطالب بأرضهم وإن عليه التحدث فقط عن سيناء، معقباً أن «وجود إسرائيل فى هذه الأراضى ضرورة لتحقيق أمن إسرائيل من تعرضها لهولوكوست جديد على يد العرب الإرهابيين»، فيحتد «السادات» ويصف كلام بيجن بالكذب، قائلاً إن عليه ألا يتحدث عن الإرهاب ويده ملطخة بدماء ضحايا مجزرة دير ياسين، وأن ينتهز الفرصة التى منحها له رئيس أكبر دولة عربية بينما العرب جميعهم يرفضون الجلوس معه، سواء ياسر عرفات أو القذافى أو حافظ الأسد أو صدام حسين، وكذلك أن مصر جاءت لكى ترسى سلاماً شاملاً فى المنطقة وليس سلاماً جزئياً مؤقتاً. وينتهى المشهد بتدخل الرئيس كارتر لوقف الشجار بين السادات وبيجن، ويرد الرئيس المصرى على كارتر «إنت ماتعرفش حركات اليهود إحنا عارفينها كويس»، ويوجه بيجن كلامه لكارتر «لا تنخدع بكلام العرب ولن نعرض أرضنا لإرهابهم». وفى مشهد آخر تجلس روزلين كارتر مع الرئيس السادات وتتحدث معه عن رغبة زوجها فى نجاح المفاوضات، وأن زوجها يحترمه ويعتبره صديقه، بينما أكد لها السادات أنه يبادل زوجها نفس مشاعر الاحترام والصداقة، لكن المشكلة فى عقلية اليهود الذين يظنون أنهم شعب الله المختار وأنهم مميزون عن البشر جميعاً، ومع ذلك تمكنت مصر فى أقل من 20 دقيقة من هدم أسطورة جيش الدفاع الإسرائيلى يوم 6 أكتوبر عام 1973، ويتحدث السادات فى شموخ «لقد أشعلناها ناراً وجحيماً لولا تدخل أمريكا لمساندتهم، ولم يكن بمقدورى أن أحارب أمريكا». ثم يدخل كارتر وبيجن بينما السادات جالس ممسك بغليونه الشهير، ويقول بيجن «سوف أقول لكم نكتة.. وقت حرب 1973 دخلت جولدا مائير على إسحاق رابين وكان يصلى فقالت له إذا أردت الحديث إلى الله اطلب 002، فسألها لماذا؟ فقالت له لأن أمريكا 001»، فضحكوا، ثم رد السادات «مثل هذه النكتة لا يمكن قولها فى مصر». ثم ينفرد رئيس وزراء إسرائيل بالرئيس الأمريكى كارتر، ويتهمه بالانحياز إلى «السادات» وللتصور الذى قدمه، وتجاهل تعاليم الإنجيل والتاريخ، قبل أن يقاطعه كارتر بقوله إنه «يريد السلام» ويسأله «هل أنت مستعد لقرار السلام؟» فيجيبه بيجن «نعم»، فيرد كارتر «أمريكا ستقدم التصور الخاص بها». ثم يأتى مشهد آخر بين كارتر وزوجته، يشعر فيه بالإحباط، وأنه لن ينجح، ويصف «بيجن» بالجنون، ويشعر بالضيق فى نفس الوقت من شمولية طرح السادات وخطورة فشل التوصل لاتفاق سلام على وضعه السياسى الداخلى. ثم يظهر فى مشهد آخر للتفاوض، ويحتج بيجن على وضع السادات جملة حقوق الشعب الفلسطينى، ويشتعل النقاش بين بيجن والسادات، ويقول له السادات ليس بإمكانك أن تمحو هوية الشعب الفلسطينى، ثم ينظر لكارتر ويقول «أنا هنا أضيع وقتى وهذا الرجل لا يريد سلاماً». ثم يذهب كارتر ومعه تصور للحل النهائى ويتحدث مع الرئيس السادات الذى قال له «سأوافق على طرحك يا كارتر طالما لن يمس سيادتنا وحقوقنا» مقترحا على كارتر أن يصدر إعلان نوايا بشكل منفرد يوضح التزام أمريكا بالحل النهائى بما فيها قضية القدس، ثم يذهب كارتر إلى بيجن ويعطيه التصور الأمريكى، ويعترض بيجن على الإعلان الأمريكى ويمزقه أمام كارتر ويلقيه على الأرض، ويقدم له خطاباً موقعاً من الرئيس الأمريكى الأسبق «فورد» يتعهد فيه بدعم أمريكا الدائم لإسرائيل، ليفاجأ كارتر بهذا الخطاب ويقول لم أقرأه من قبل ولا أعرف عنه شيئاً، ويترك بيجن كارتر ويذهب وهو منفعل، مؤكداً أنه لن يفرط فى أرض اليهود. ثم يأتى مشهد الصدام الرئيسى فى العرض بين الرئيس الأمريكى جيمى كارتر والرئيس أنور السادات، حيث بلغ إلى علم كارتر أن السادات يعد حقائبه استعداداً لمغادرة كامب ديفيد وإعلان فشل المفاوضات، فهمّ كارتر بارتداء ملابسه الرسمية وتخلى عن الزى العادى «الكاجوال» وذهب لمقر إقامة السادات، ليجده فى طريقه للمغادرة وخلفه مساعدون يحملون حقائبه. وقف كارتر بحزم أمام السادات وقال له «لا ترحل».. فرد السادات «لماذا أستمر؟ الكل ضدى وبيجن لا يريد السلام، بماذا سأعود لشعبى؟ الوفد المرافق لى رافض لاستمرارنا هنا، وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل أبلغنى أنه مستقيل، المتشددون فى مصر والعالم العربى أهدروا دمى وكان كل همى حقن الدماء»، فرد كارتر «آسف لما سمعته بخصوص محمد إبراهيم كامل وأنا أعرف أنه صديقك»، فرد السادات «نعم صديقى فى الكفاح الوطنى وسبق أن جرى سجننا سوياً»، فقاطعه كارتر بحدة «أنا الآن لا أتحدث إليك كصديق لكن كرئيس للولايات المتحدةالأمريكية، وأحذرك من تحطيم هذا الجهد»، فرد عليه السادات «وأنا أتحدث إليك كرئيس لجمهورية مصر العربية وشعبى لن يقبل أى تفريط». فقال كارتر «أنا مجنون أنى تصورت يوماً أنه يمكن أن يكون هناك سلام بين العرب وإسرائيل»، ليعاود السادات الرد «نعم أنت مجنون ولكن السلام كان فكرتى أنا ومبادرتى». فطلب منه كارتر أن يمهله فقط 24 ساعة لكى يتمكن من إنجاز الاتفاق، ليرد عليه السادات غاضباً «سأعطيك هذه الفرصة فقط لأننى كنت أعتبرك يوماً صديقى». ثم يأتى مشهد لمناحم بيجن وهو يتجول فى المنتجع ويلتقى الرئيس السادات ويسأله عن أحوال زوجته السيدة جيهان، فيرد السادات «إنها منشغلة الآن مع حفيدها شريف» ويقول له بيجن «هل حفيدك مثلك؟» فيجيب «مثلى تماماً، شقى للغاية»، ثم يستطرد بيجن «وهل سيصبح هو الآخر رئيساً لمصر»، فيجيبه السادات «حفيدى لديه حلم مختلف ولا أريد له أن يتحقق» فسأل بيجن «وما هو»، فأجاب «يريد أن يكون شهيداً لوطنه ولا أريد له ذلك، فقد امتلأت السماء بشهداء من مصر». ثم يذهب كارتر إلى بيجن ومعه مجموعة من الصور التذكارية لهما خلال المفاوضات، ويقول كارتر لرئيس وزراء إسرائيل إنه كان يود أن يوقع هذه الصور لأحفاد بيجن ويقول لهم «تمكنا من إنجاز عمل عظيم من أجلكم ولكننا فشلنا فى تحقيق ذلك»، ويرد بيجن وهو غارق فى البكاء «سأقوم بالتوقيع على السلام». وعقب انتهاء العرض، حاولت «الوطن» اقتحام الخصوصية التى تفرضها إدارة المسرح على أبطال المسرحية للتحدث مع النجم خالد النبوى، الذى كان مستغرقاً فى إزالة المكياج، وتمكنت «الوطن» من محادثته تليفونياً فأكد سعادته بنجاح العرض وبوجود «الوطن» داخل قاعة المسرح، ولكنه أبلغ أن التزاماته التعاقدية مع الجهة المنتجة تمنعه من الحديث الإعلامى حول المسرحية، وأنه يحترم تعاقداته حيث إن القائمين على العرض لديهم خطة إعلامية بتوقيتات محددة لا يحق له اختراقها، وأشار «النبوى» إلى أمنيته عرض هذا العمل فى مصر، وأنه سعيد للغاية بحضور الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر للافتتاح، وكذلك السيدة جيهان السادات، واهتمام كبرى وسائل الإعلام والصحف الأمريكية بنجاح مسرحية «كامب ديفيد».