تجلس الأم أمام المقابر على الأرض متكئة بظهرها على جذع شجرة، منكبة الوجه، لا ترفع نظرها عن طفلها الصغير الملفوف في قطعة قماش بيضاء، تحمله على يديها، حيث فقدت الأم طفلها ميسرة علي مسعود خلاف (7 أعوام)، والذي تعرض للحرق وهو يحاول إطفاء النيران المشتعلة في منازل القرية في دور بطولي، قبل أن يتوفاه الله أمس بمستشفى الحلمية العسكري، ليصبح أصغر ضحايا حادث شطورة سنًا. حالة من الحزن عاشتها قرية شطورة بسوهاج، وما زالت تعيشها، وهو حزن أسكت الضحكة والفرحة من قلوب ووجوه جميع عائلات القرية وجميع طوائفها، وهو ما وصفه شاهد عيان، ل"الوطن". الأمهات والسيدات اتشحن بالسواد وعمّ الحزن على فقدان زهرة شباب "شطورة" في الحادث الأليم السبت الماضي، الذي توفي فيه 20 شخصًا وأُصيب 50 آخرين حتى الآن ويوجد أكثر من 20 شخصًا في مستشفيات الحلمية العسكري وأسيوط وسوهاج. عويل وحزن وبكاء وحالات إغماء أمام مقابر قرية شطورة بعد وفاة عماد رشاد طلب والطفل ميسرة علي مسعود ومحمد مهدي أحمد عسكر ومحمد إبراهيم محمد نوح الذين دفنوا أمس الأول، ليبلغ بذلك عدد الضحايا 20 قتيلاً. "انت حنين عليا يا عماد، وانت نور عينايا وماليش في الدنيا غيرك، انت وأخوك اللي مات قبل منك.. سايب فرشة جوازك لمين يا عماد" عبارة قالتها والدة عماد أحد ضحايا الحادث. وأضافت: "قال لي أنا هاخف وجاي لك يا أمي، ولكن جه لي في كفن". بيوت من أسر شطورة فقدت اثنين وأكثر في الحريق، القلوب احترقت والحزن خيّم على الصغير والكبير، المحال أُغلقت والقلوب احترقت وتحولت قرية شطورة إلى أكبر سرادق عزاء وهي تودع الشهداء إلى مثواهم الأخير. المصابون ظلوا لعدة ساعات يصارعون الموت داخل مستشفيات سوهاج دون وجود علاج أو أطباء، وتم الاكتفاء بالإسعافات الأولية لترتفع أعداد الوفيات، ويتقاسم أبناء القرية الأحزان.. "شطورة" المشهورة بالعلم والكرم ضربت أروع الأمثلة في التعاون وقت الشدائد، والوقوف يدًا واحدة في إخماد النيران، والذين ماتوا من أبناء القرية ضربوا أروع الأمثلة في الشهامة والرجولة والتفاني، لأن أكثر الذين ماتوا أثناء إنقاذ غيرهم من الحرق، في مشهد أظهر التضحية والتفاني من أجل الغير. "بعد إيه يا سيادة المحافظ؟ بعد ما الأمهات قلوبها اتحرقت؟"، عبارة استنكار من الأهالي بعد تعليمات محافظ سوهاج بتشديد الرقابة على محطات الوقود، بعد حادث انفجار براميل بنزين مهربة في قرية شطورة بطهطا، أسفر عنه مصرع 20 شخصًا وإصابة 50 آخرين.