ورغم الدعم الكبير لترشح «السيسى»، والتوقعات بتحقيقه فوزاً مريحاً فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن ثمة أعداء عديدين للرجل القوى فى مصر، يمكن أن ينالوا من مكانته، ويحدوا من تفوقه، ويصعبوا عليه الأمور، فى ولايته الأولى، فى حال حقق النجاح، كما هو مرجح. العدو الأول ل«السيسى» ليس سوى تنظيم «الإخوان» بالطبع، الذى أصبح لا يمتلك أى استراتيجية باستثناء القضاء على المشير أو إفشاله أو إسقاط الدولة، وهو فى طريقه لتحقيق تلك الأهداف السوداء لا يمانع فى أن يتحالف مع أعدى أعداء البلاد وأشدهم حقداً عليها. ليست الولاياتالمتحدة أكثر الدول عداء ل«السيسى» وما يعبر عنه، فهناك عداء أكبر من بعض الدول الإقليمية، مثل قطر وتركيا، اللتين تفرطان فى معاداة الرجل بوضوح، ليس فقط عبر البيانات السياسية المناوئة، ولا الخطب التى تناصر تنظيم «الإخوان»، ولا الآلات الإعلامية النافذة، التى تكرس نفسها لدعم التنظيم، وتشجيع الفوضى، ولكن أيضاً من خلال ضخ الأموال، ودعم الإرهاب، كما تشير بعض التقارير. قطاع من الناشطين السياسيين أيضاً يشكل بيئة معادية ل«السيسى»، إذ يبدو أن قطاعاً من الشبان الثوريين المتشددين أو المتحمسين غير راضٍ أو مطمئن إلى التطورات السياسية الجديدة فى مصر. لقد انخرط هذا الشباب فى ثورة 25 يناير، مدفوعاً بأحلام كبيرة، رأى فيها إمكانية أن تتحول مصر إلى دولة ديمقراطية، يأخذ الشباب فيها موقعاً على رأس فعاليات العمل الوطنى والسياسى، حيث تختفى القوى التقليدية والوجوه القديمة، التى تورطت فى الفساد، واتسمت بقلة الكفاءة، وأورثت البلاد ضعفاً وتراجعاً كبيرين. ينشط قطاع من هؤلاء الشبان الثوريين على مواقع التواصل الاجتماعى، ويعبرون عن إحباط ورفض واضحين؛ لأنهم يشعرون بأن «الدولة البوليسية القديمة» فى طريقها إلى العودة إلى الحكم. سيكون «السيسى» قادراً، على الأرجح، على التعامل مع الأعداء الثلاثة؛ فسواء كان العدو تنظيم «الإخوان» وحلفاءه من الإرهابيين، أو بعض الدول العظمى والإقليمية، أو القطاع الأكثر تشدداً بين النشطاء والثوريين، فإن ثمة وسائل يمكن من خلالها تفادى معظم ما سينتج عن هذا العداء من تأثيرات. لم يعد لدى تنظيم «الإخوان» وحلفائه استراتيجية واضحة تتعلق بالمستقبل، وكل ما يستطيع فعله والإصرار عليه هو شن هجمات إرهابية، أو اصطناع الدماء عبر عمليات تظاهر هزلية، أو تشويه صورة «السيسى» عبر وسائل الإعلام. ليست تلك استراتيجية يمكن البناء عليها، وليس بمقدورها أن تحقق تغيراً جوهرياً. التحالف الدولى الإقليمى المناهض ل«السيسى» بدأ يدرك حقيقة التطورات على الأرض، وبات من الصعب أن يتجاهل حجم التأييد الشعبى الذى يحظى به الرجل، لذلك، فإن تحجيم أثر هذا التحالف المعادى يبدو أمراً ميسوراً. سيكون الحد من تأثيرات العداء الإقليمى والدولى ل«السيسى» أمراً فى متناول اليد عبر بعض السياسات الداعمة للاستقرار داخل مصر، وبناء علاقات عريضة ومتوازنة مع قوى مؤثرة فى المجتمع الدولى، واستخدام بعض وسائل الضغط على الدول المناوئة. الأمر أيضاً سيكون ميسوراً فيما يتعلق بالقطاع المعادى من النشطاء والثوريين، الذين لا ينتمون إلى جماعات الإسلام السياسى، إذا استطاع «السيسى» أن يقلل المخاوف من عودة الدولة الأمنية، وأن يرسى مبادئ ديمقراطية حقيقية، وأن يطرح مشروعاً قومياً كبيراً، وأن يشرك قطاعات الشباب فى العمل الوطنى، ويمكنهم من لعب أدوار رئيسية فيه. ليس من الصعب إذن الحد من تأثيرات الأعداء الثلاثة سابقى الذكر، لكن ربما يكون من الصعب الحد من تأثيرات عدوين يظهران عادة فى صورة الصديق. رموز نظام مبارك وبعض أتباعه المخلصين باتوا يظهرون عادة فى صورة أكثر أنصار «السيسى» إخلاصاً وأوضحهم تأييداً لمسار 30 يونيو، وهؤلاء يشكلون خطراً على «السيسى» ربما يكون أكبر من هذا الذى يشكله «الإخوان» وبعض حلفائهم. هؤلاء يريدون بتأييدهم المفرط ل«السيسى» أن يقنعوا المصريين والعالم، والرجل نفسه، أن ثورة يناير لم تكن سوى مؤامرة لتخريب البلاد، وأن 30 يونيو يمثل دحراً لهذه المؤامرة، ويجب أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه. لو صدق «السيسى» هذه الرواية، أو تجاوب معها، أو سكت عن ترويجها وانتشارها، فسيكون قد مُنى بهزيمة كبيرة، وسيكون قد وضع نفسه ضد التيار، وبالتالى سيسهل جداً على أعدائه التقليديين أن ينالوا منه. أما العدو غير التقليدى الثانى فليس سوى المفرطين فى تأييد «السيسى» والذين يحاولون «فرعنته»، وتحويله إلى زعيم «ملهم لا ترد له كلمة ولا تجوز معارضته». بين هؤلاء بعض حسنى النية، والكثير من المنتفعين والانتهازيين والأفاقين، الذين فعلوا الأمر نفسه مع أكثر من نظام، ومع أكثر من رئيس. ل«السيسى» ثلاثة أعداء يتجسدون فى «الإخوان» وحلفائهم، وبعض الدول الرئيسية والإقليمية، وقطاع من النشطاء والثوريين، وهو قادر على أن يتصدى لهم، وأن يحد من تأثيرهم، إذا ما أحسن إدارة البلاد بطريقة تحترم تطلعات ثورة يناير، فى أعقاب انتخابه رئيساً، كما هو مرجح. لكن ثمة عدوين غير تقليديين؛ هما «فلول» مبارك، وبعض الأفاقين والمنتفعين من محترفى التأييد، وهذان خطرهما أكبر؛ لأنهما عدوان فى صورة صديقين، والحد من تأثيرهما لن يتطلب صبراً وحكمة ومهارة فقط، لكنه سيتطلب أيضاً توازناً نفسياً وقدرة على مغالبة الهوى؛ وهو ما ستكشف الأيام عما إذا كان «السيسى» يمتلكه أم لا .