التقيته قبل سنوات لإجراء حوار فى «المصرى اليوم» قبل إعلان نتيجة أول استطلاع رأى قالت عنه حكومة نظيف إنه أول استطلاع عن الفساد فى الجهاز الإدارى للدولة، وبدا وقتها ماجد عثمان، مدير مركز معلومات مجلس الوزراء، واثقاً من كلماته عن رحابة صدر «نظيف» والمسئولين عما خلص إليه الاستطلاع، ممتدحاً مسعاهم لخدمة البلاد والعباد، وسألته حينها لماذا تأخرت فى إعلان النتيجة؟ فقال: الاستطلاع فى مراحله النهائية رغم علمى من مساعديه أن الاستطلاع انتهى ولكنه ذهب فى جولة أو فسحة بين قصور الرئاسة ومبانى الأجهزة الأمنية لكى يجاز ويخرج للنور، ولكن فى الصورة التى يرضاها النظام، وبعد شهور من التعديل والتمحيص والإضافات والحذف ظهر الاستطلاع فجاء مثل غلمان قصور الحريم «لا خوف منهم ولا هم يقتربون»، وطنطن به «نظيف» وصال وجال فى صحفه الحكومية عن الفتح العظيم الذى جاء به ابن عثمان الذى غضب من حواره معى لأننى كتبت على لسانه «لقد قمنا بعملنا والباقى على رئيس الوزراء»، فخشيته على الاستوزار والقربى من «نظيف» كانت هاجسه الدائم، فكان مرتعشاً يخشى من الجميع حتى المقربين منه، فالعمل فى دواوين حكومات مبارك عمل محفوف بمخاطر الاستهداف، ويتطلب يقظة ونفاقاً وتدليساً وتلفيقاً، وبلغ الأخير منتهاه فى استطلاع الرأى الذى أجراه مركز «ابن عثمان» عن معظم المصريين، عن أداء حكومة نظيف قبل شهور من ثورة يناير. ونال ابن عثمان الوزارة فى حكومة تسيير الأعمال مع أحمد شفيق، وظل فى الحكومة لشهور قبل أن ينخلع من كرسيه من ضغوط الشارع على الحكومة، ليخرج باحثاً عن لقمة العيش المغموسة برحيق الاقتراب من السلطة، ووجدها سريعاً، فالرجل عاد لاستطلاعاته بمركز يقال إنه غير هادف للربح، أسسه مع آخرين، من بينهم رجال أعمال محسوبون على النظام السابق، ووجد منفذه إلى الرأى العام من خلال الشقيقة «المصرى اليوم»، وكعادته يعشق التألق خاصة إذا كان الهدف عظيماً مثل كرسى الرئاسة، فخرجت استطلاعاته اللطيفة الظريفة الخفيفة لصالح شفيق مع عزف منفرد فلولى عن الدقة والمصداقية وتفاصيل أخرى عن العينة وطريقة إجراء الاستطلاع وحجم الخطأ وغيرها مما لا يفهمه سوى المتخصصين، مع التلاعب بخدعة أن الأرقام لا تكذب، رغم أنها تكذب إذا جاءت فى أيدى متخصصين يتلاعبون بقيمة العلم لصالح أغراض ومصالح. ويوم الاثنين الماضى وبعد اختفاء شهور خرج «ابن عثمان» ومركزه «بصيرة» للرأى العام -أقصد مركز «حصيرة» للنفاق والتزلف- باستطلاع جديد ينافس به رؤساء تحرير صحف الحكومة الإخوانية، انتهى فيه إلى أن 77% من المصريين موافقون على أداء مرسى، وأن 60% سينتخبونه إذا أجريت الانتخابات، «ابن عثمان» وصحبه يتقلبون مثل ثعابين الجحور حتى يصيبهم من الرئاسة شىء، فلعنة شفيق تطاردهم، والإخوان يسامحون فقط مَن يمتدحهم وينافقهم ويمسح أحذيتهم، حتى ولو كان ذراعاً لمبارك ورجاله، فالمصلحة تعلو، ومن ثم فطن مركز «حظيرة» وقرأ المشهد حتى يعلو ويعلو، ومن يريد أن يعلو عليه أن «يطاطى يطاطى يطاطى». أسوأ الأمور أن يخدم العلم الأغراض التى هى أمراض، فيعبد حامله آلهة كل زمان كما فعل قدماء المصريين، ولذا فإذا ذهب مبارك فهناك مرسى.. إنه الاحتفاء بالكرسى على حساب المخدوعين مثقوبى الذاكرة.