بين ليلة وضحاها، تحول الهدوء الذى اعتادت أن تعيش فيه «عزبة على» التابعة لقرية الطرح بمركز كفر الدوار فى محافظة البحيرة، إلى حالة من الهلع والرعب نتيجة هذه المذبحة التى راح ضحيتها أسرة كاملة يبلغ عدد أفرادها 7، من بينهم عائلهم الوحيد حسنى أحمد على، البالغ من العمر 39 عاماً. حاولنا البحث عن مشاهده الأخيرة داخل قريته التى يعيش فيها منذ ولادته. طبيعة منزل «حسنى» القابع بين أراضٍ زراعية مترامية الأطراف، والذى يبعد بعض مئات الأمتار عن بقية منازل عائلته، جعلته يتردد عليهم بين الحين والآخر، فكانوا هم آخر من عاشوا معه ساعاته الأخيرة خارج بيته ليلة الحادث. ابن شقيقه أسامة السيد، 34 عاماً، اعتاد أن يلقى عمه كل ليلة قبل أن يفترق كل منهما إلى بيته، فكان لقاؤهما الأخير فى الثامنة من مساء ليلة الحادث، تبادلا الحديث حول أمورهما اليومية المعتادة، فى جلسة عائلية لم تستغرق أكثر من نصف ساعة ودع فيها كل منهما الآخر على أمل اللقاء فى اليوم التالى: «سابنى وروَّح لبيته عشان يأكَّل المواشى بتاعته ويشوف حاله». هذا اللقاء بين «أسامة» و«حسنى» كان عابراً، بينما كان آخر تجمع عائلى جمعهما مع أفراد العائلة قبل نحو أسبوعين فقط، عندما كان يبنى سقف بيته القاطن فيه، وهو الأمر الذى يستدعى، وفق عاداتهم، تجمع عائلى كامل: «يومها كنا كلنا هناك، وكنا فرحانين لصبة السقف بتاعت عمى، وجمعنا كلنا وغدانا، واليوم خلص والأيام اللى بعدها مشيت عادى، حتى أمه كانت قاعدة عندنا من ساعتها تقريباً وعياله جم خدوها ليلة الحادثة عشان تقعد معاهم». "أسامة": "حسنى" كان قاعد معايا آخر ليلة ورجع بيته علشان يأكَّل المواشى طبيعة يوم «حسنى»، المجنى عليه، كانت معروفة بشكل كامل لابن شقيقه «أسامة»، وهو ما جعله لا يتواصل معه ثانية طوال هذه الليلة، فقط هاتف مفاجئ جاءه فجر اليوم الثانى، يخبره أن حريقاً شب فى منزل عمه، لينتفض مسرعاً من على سريره متجهاً إلى مكان الحادث فى دقائق معدودة، وما أن وصل حتى وجد باب المنزل مغلقاً بإحكام ولا أثر لأسرة عمه بين الواقفين فى الخارج ليدرك حينها أنهم لم يخرجوا بعد: «لحد هنا الموضوع بالنسبة لى ماكانش أكتر من حريقة». ليلة «حسنى» التى اعتاد «جيرانه» على هدوء أفراد أسرته فيها كانت كغيرها من الليالى، كما يقول «أحمد خميس» صديق المجنى عليه، الذى يعمل معه فى «المعمار»، والذى يقطن أقرب منزل منه على بعد نحو 200 متر فقط، ما جعله من أوائل الذين رأوا ألسنة اللهب تخرج فجراً من داخل المنزل، قبل أن يندفع مسرعاً باتجاه المنزل خوفاً على صديقه من أن تصيبه النيران بمكروه. بمساعدة مجموعة أخرى من الجيران، وبعد أن وصل «أسامة»، ابن شقيق المجنى عليه ومجموعة أخرى من أقاربه، تمكنوا جميعاً من كسر الباب الحديدى الرئيسى للمنزل، وما أن دخلوا حتى بدأوا فى البحث عن أفراد المنزل لعلهم ينقذونهم مما هم فيه: «أول ما دخلنا البيت فضلنا ننادى على حسنى وعياله بس ماحدش كان بيرد علينا». "أحمد": حاولت أطفى الحريقة لقيتهم كلهم مذبوحين يكمل «أحمد» ما رآه، بصوت بدا عليه الحزن الشديد على فقدان صديقه، فما هى إلا ثوانٍ معدودة لهم داخل المنزل، حتى اكتشفوا جميعاً الفاجعة، جثث ملقاة أمامهم لا تحرك ساكناً: «أول حاجة شُفناها كانت 4 جثث على باب الزريبة بتاعة البيت، كانوا كلهم متفحمين واتصدمنا كلنا من منظرهم». يعلم «أحمد» ومن معه من أقارب المجنى عليه، عدد أفراد أسرته جيداً، لذلك بدأوا جميعاً فى البحث عن البقية، فهناك 3 أطفال لم يظهروا بعد، إلا أنهم لم يكونوا فى حاجة إلى وقت كبير ليكتشفوا مكانهم، كما يقول «أحمد»: «دخلنا الأوض لقينا باقى العيال مرميين على الأرض وافتكرناهم عايشين خدناهم وخرجنا بره البيت». حتى هذه اللحظة لم يكن «أحمد» ومن معه يعلمون أن الحادث لم يكن حريقاً، إلا أن جثث الأطفال الثلاثة أوضحت لهم أن الأمر لم يكن على ما يبدو عليه: «عرفنا أن الموضوع مش حريقة ودخلنا تانى البيت نقلب فى الجثث المحروقة لاقيناهم مدبوحين هما كمان». محاولات إطفاء الحريق التى بدأت منذ اكتشافه من الأهالى توقف عنها «أحمد» من هول الصدمة، على حد قوله، فمن وجهة نظره، وبعد إبعاد الجثامين عن موقع الحريق لم يجد سبباً لإطفاء ما بقى، فجميع من فى البيت قد ماتوا: «مابقتش عارف أعمل إيه، حسيت إننا مفيش داعى نطفى الحريقة، ما خلاص، حسنى وعياله كلهم ماتوا». لقراءة الملف كاملا اضغط هنا.