حصلت «الوطن» على صور من داخل أحد مصانع الأسمنت فى طريق العين السخنة تظهر وجود أطنان من الفحم فى المخازن وبدء استخدامه كوقود بديل للغاز الطبيعى دون انتظار موافقة الحكومة. وقالت الدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة الدولة لشئون البيئة، فى تصريحات ل«الوطن»: إن هذه الصور تؤكد أن مصانع الأسمنت تضرب بالقوانين عرض الحائط، موضحة أن مصانع الأسمنت خالفت القانون بتجهيز الأفران وخطوط السير لتغذية المصانع بوقود الفحم دون الحصول على موافقة جهاز شئون البيئة وفقاً للقانون. وطالبت الوزارات الأخرى المعنية برصد المخالفات الحالية لمصانع الأسمنت قبل التفكير فى تطبيق اشتراطات ومعايير أوروبية. فى حين قال حسام عرفات، رئيس شعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية، إن حل أزمات الطاقة يتمثل فى استخدام الفحم فى صناعة الأسمنت كوقود بديل وهو جزء من خطة الحكومة لترشيد دعم الطاقة التى تحتاج فترة لن تقل عن 5 سنوات، مشيراً إلى أن هناك عدداً من الأفران بدأت فى تحويل مخابزها لتعمل بالفحم قبل صدور القرار الرسمى من الحكومة. وأوضح «عرفات»، فى تصريحات خاصة ل«الوطن»، أن استخدام الفحم مرتبط بتنفيذ الضوابط الصارمة على المصانع، وذلك لنجاح تنويع مصادر الطاقة المهملة فى مصر، موضحاً أن الكهرباء تحتاج إلى 115 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً فى فصول الصيف. وقال إن استخدام الفحم فى صناعة الأسمنت يوفر للدولة 1.5 مليار دولار سنوياً فى الموازنة العامة طبقاً لتصريحات وزير البترول، وهو مرتبط بتنفيذ ضوابط صارمة على المصانع المخالفة لعدم الإضرار بالبيئة. على الجانب الآخر، رفض إلهامى الزيات، رئيس اتحاد الغرف السياحية، عملية استيراد واستخدام الفحم فى توليد الطاقة، مؤكداً أن ذلك سيتسبب فى مخاطر كبيرة لصناعة السياحة، مطالباً الدولة بعدم الاستجابة لمطالب بعض الشركات التى لا تنظر إلى المصلحة العليا للبلاد. وأضاف «الزيات» ل«الوطن» أن السياحة المحلية والدولية تتحول إلى السياحة الخضراء، والاعتماد على الطاقة البديلة والمتجددة صديقة البيئة، لمواكبة الاتجاه العالمى الذى يهدف إلى حماية بيئة الكرة الأرضية للحد من توابع التغيرات المناخية المدمرة، مشيراً إلى أن دول العالم المانحة تتجه لدعم الدول النامية والدول ذات الدخل المحدود مثل مصر بملايين الدولارات لمعاونتها فى التحول السريع لمصادر الطاقة غير الضارة للبيئة. وأشار إلى أن هناك توابع دولية خطيرة أيضاً لهذا التوجه أبسطها حجب المعونات الدولية والحد فوراً من التدفقات السياحية، وبالتالى خسائر فادحة للدخل القومى. كما سيحول ظاهرة السحابة السوداء، والتى نعانى منها منذ سنين، إلى أمر بالغ التفاهة بالمقارنة برماد الفحم والثابت علمياً سرعة انتشاره فى الهواء ولمسافات تصل ل 1000 كم. وأكد أحمد الزينى ،رئيس الشعبة العامة لمواد البناء بالغرف التجارية، أن شركات الأسمنت لم تتوقف عن الشكوى المقدمة للحكومة من نقص الطاقة طوال العامين الماضيين، مشيراً إلى أن شركات الأسمنت فى مصر لا تخضع لرقابة صارمة من الدولة، حيث إن التكلفة الفعلية لإنتاج طن الأسمنت فى مصر تبلغ 148 جنيهاً، فى حين لا يقل سعر بيعه فى السوق المحلية عن 700 جنيه، بمعدل ربحية 400% لكل طن يوجه للسوق المحلية، أما بالنسبة للتصدير فسعر الطن يبلغ 108 دولارات بنحو 600 جنيه مصرى بمعدل ربحية 300 جنيه. وأضاف أن جهاز حماية المستهلك ووزارة البيئة حررت محاضر لتلك الشركات لمخالفتها واستخدامها الفحم دون إعادة هيكلة للمصانع ودون موافقة الحكومة والآن تعمل هذه الشركات دون أى إجراء عقابى، مؤكداً أن غياب الرقابة على المصانع سيفشل مشروع استخدام الفحم. فى السياق نفسه، انتقد محمود العسقلانى رئيس حركة «مواطنون ضد الغلاء»، تراجع دور الجهات الرقابية على مصانع الأسمنت وتحريرها محاضر لتلك الشركات، لافتاً إلى لجوء هذه الشركات إلى تعطيش السوق حتى يكون هناك مبرر للزيادة فى الأسعار. فى الوقت ذاته، أصدر عدد من منظمات المجتمع المدنى مثل جمعية الحفاظ على البيئة «هيبكا»، ومصريون ضد الفحم، وجمعية حماية لتنمية المجتمع بجنوب سيناء، بياناً أخيراً لتوضيح مخاطر استخدام الفحم على الاقتصاد والصحة، وأوضح البيان أن مستثمرى الأسمنت يشنون حرباً إعلامية وسياسية للسماح باستخدام الفحم فى الصناعة، مستغلين أزمة الطاقة الحالية لرفع أسعار الأسمنت أو إجبار الحكومة والمواطنين على قبول المخاطرة الصحية والبيئية. وأشار البيان إلى أن قرار استخدام الفحم لن تجنى منه مصر إلا الأضرار، بينما تجنى الشركات أرباحاً طائلة تدفع صحة المواطن المصرى ثمنها، ونهمل فى الوقت نفسه الطاقة المتجددة والصديقة للبيئة. وطالبت منظمات المجتمع المدنى المعنية بالشأن البيئى فى بيانها، مجلس الوزراء بأن يتحمل مسئوليته فى حماية صحة المصريين وسيادتهم على مستقبل الطاقة فى بلدهم، والتخطيط الاستراتيجى لضمان خطة للطاقة المستدامة اقتصادياً وبيئياً بدلاً من الخضوع لابتزاز مستثمرى الأسمنت. وقال أحمد الدروبى، المتحدث باسم حركة «مصريون ضد الفحم»: إنه من المستغرب أن دولاً مثل ألمانيا وهولندا، بدأت فى الابتعاد عن الفحم الذى كان مصدرها التاريخى للطاقة وتتحول لاستخدام الطاقة الشمسية والمولدة من النفايات، ففى صناعة الأسمنت الألمانية 61% من الطاقة المستخدمة مولدة من النفايات. أوضح «الدروبى» أن تضارب تصريحات المسئولين عن الفحم يثير تساؤلات عن قدرة الدولة على التخطيط بشكل استراتيجى فى لحظات الأزمات لضمان مستقبل أفضل، ويثير تساؤلات عن انحياز الدولة التى من المفروض أن يكون دورها حماية صحة المصريين والعمل على استقلالية الاقتصاد المصرى.