1- فجأة وبقدرة قادر، تحول بعض مذيعى التليفزيون إلى ناشطين سياسيين، بل أصبحوا محللين وأصحاب رؤية استراتيجية فى كل شىء؛ فى السياسة الخارجية والداخلية، وكيفية مواجهة الإرهاب، والتعليم، والصحة، والنقل والمواصلات، والإسكان، والتخطيط العمرانى.. إلخ.. قلت: لا بأس، طالما صار يفتى فى الشأن العام كل «من هب ودب».. نحن بالفعل أمام فوضى عارمة.. ألم نقم بثورتين غير مسبوقتين فى لا زمن؟ إذن فلنتحدث فى كل شىء، ولنفتِ فى كل شىء، بعلم أو بغير علم.. لقد سقط حاجز الخوف، وسقطت معه أشياء كثيرة.. بالطبع مطلوب أن يكون المذيع مثقفاً، وأن يكون دارساً ومطلعاً على الموضوع أو الموضوعات التى يتحدث فيها مع الضيف، لكن ليس إلى الدرجة التى يتكلم فيها معظم الوقت، تاركاً لضيفه الفتات، اللهم إلا إذا كان الضيف محدود الثقافة، أو غير قادر على التعبير عن أفكاره.. أحياناً كثيرة، أرى الضيف المسكين يحاول أن يقتنص فرصة الكلام، فلا يجد، فى حين تتحول بعض البرامج الحوارية إلى معركة أو «خناقة» بين المذيع الجهبذ والضيف المشاكس، الباحث عن مكان له داخل البرنامج.. أحد المذيعين صار معلماً، متخصصاً، يعطى دروساً فى كل شىء، وربما تخيل أن المشاهدين جهلة أو تلامذة فى مدرسة.. غير معقول!! 2- على الناحية الأخرى، هناك بعض من مقدمى البرامج ينشغلون بأخبار غير ذات قيمة، من نوع فلان قال كذا على صفحته الخاصة بشبكة التواصل الاجتماعى، وعلان صرح بكذا لصحيفة كيت، ثم يصبح هذا أو ذاك موضوعاً للمناقشة والحوار.. ما هذا؟! يا سادة: ليقل (س) ما يريد، وليصرح (ص) بما يشاء، لكن أن تهبط الاهتمامات إلى هذا المستوى، فهذا غير مقبول.. أرجو أن ترقى الحوارات إلى مستوى التحدى الذى تواجهه مصر، وأن تتطرق إلى ما يهم الناس فى أمور معاشهم.. هؤلاء، سواء (س) أو (ص) أو (ع)، يسعون لإشاعة الإحباط واليأس من خلالكم، وإلهائكم عن مهمتكم الكبرى فى تحفيز المصريين نحو العمل والبناء، لذا، أرجو أن نفيق.. إن الأخبار التافهة التى لا تصدر إلا من حاقدين موتورين، أو مرضى نفسيين، أو صغار يعبثون، إذ يجب ألا نلقى لها بالاً ولا نضيع فيها وقتاً، وهى عموماً لا تساوى المداد الذى كتبت به.. أيضاً، متابعة التظاهرات التى لا يتجاوز عدد أفرادها العشرات، وتسليط الضوء عليها.. لماذا؟ لقد صدقنا وآمنا وسلمنا بأن الصحفيين ومعدى البرامج والمذيعين يريدون أن يحيطونا علماً بكل ما يجرى، وأنهم لا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا ونقلوها إلينا.. لكنهم، نسوا أن أصحاب هذا التظاهرات الهزيلة والهزلية، يتاجرون بها لدى أقوام مهمتهم الكبرى «التشويش» والضغط علينا ومحاولة ابتزازنا.. أفيقوا يا قوم.. اللهم إلا إذا كنتم «تعومون على العوم» (!) 3- أعلم يقيناً أنه لا يوجد ما يسمى بالإعلام «المحايد»، فكل جهاز أو أداة إعلامية، عامة أو خاصة، لها توجهاتها وسياساتها التحريرية ورسالتها التى تريد إيصالها للجماهير، أو للنخبة، أو للسلطة، أو لكل هؤلاء، وبالتالى فالمسئول أو المالك لهذه الأداة يختار رجاله الذين يعتمد عليهم، بل والقضايا التى يتم نشرها أو بثها.. وهذا مشاهد فى أى مكان فى العالم، أثناء الحرب والسلم على السواء.. البعض يحاول أن يستتر، من خلال رجال حرفيين على مستوى عال، أو تقنيات متقدمة، أو تناول موضوعات بعينها والتركيز عليها دون غيرها.. لكن مهما يكن، فالأمر عادة ما يكون مكشوفاً مع المتابعة الدقيقة واللصيقة.. مثلاً، بعض المذيعين تكون لديه قائمة بضيوف دائمين، معدودين ومحددين، يتم استدعاؤهم كل صباح أو مساء، كى يدلوا بدلوهم فى كل أو بعض القضايا على نحو يصب فى اتجاه معين.. أنا أفهم أننا نتعرض لموجة من العنف والإرهاب، الأمر الذى يستدعى توحد كل الجهود وتكاتف كل القوى لمواجهته والقضاء عليه وتصفيته، لكن حتى هذا يحتاج إلى تعدد الرؤى لإثراء الأفكار والأطروحات.. من ناحية ثانية، اعتاد بعض الضيوف -قبل الحديث فى الموضوع- على مداهنة لزجة وتملق ممجوج لهذا المذيع أو ذاك، ربما للمحافظة على مكانهم الدائم فى القائمة (!) 4- عادة ما تنحاز الوسائل الإعلامية -بدرجة أو أخرى- للسلطة، أو بمعنى أدق للرجل الأقوى فى السلطة، كما تفعل الآن مع المشير عبدالفتاح السيسى.. قد يقال إن الرجل كان، ولا يزال، له دوره الكبير، وأنه ينال قدراً هائلاً من الشتائم والسباب والاتهامات البشعة، وهذا صحيح.. بل إن رجاله يستشهدون من أجل الوطن والمجتمع والدولة فى المعركة الضارية مع الإرهاب.. وبالتالى، لا ضير فى أن يكون هناك من ينافح عنه، بل يعطيه حقه من التقدير والاحترام، وفى حدود الموضوعية والإنصاف، دون زيادة أو نقصان، وهذا مطلوب.. لكن البعض -للأسف- يتخطى كل الخطوط الحمراء، نازعاً عن الرجل بشريته فى الخطأ والصواب، وهذا -لعمرى- أسلوب عفا عليه الزمن، بل صار من مخلفات الماضى البغيض.. ليكن معلوماً، أن المشير السيسى لن يستطيع النهوض بمصر ما لم تكن هناك مؤسسات قوية، وشعب لديه استعداد للتضحية والبذل والفداء.. لا نريد نفاقاً رخيصاً أو تسلقاً مزرياً.. نريد وسائل إعلامية محترمة.