دعا محمد عبدالمقصود لحرق بيوت وسيارات الجيش والشرطة، والامتناع عن دفع مستحقات الدولة، والأخيرة كانت دعوة لطوائف سياسية أيام حكم الإخوان، الفرق هنا فى شرعنة الجريمة، إذ إن الدعوة هنا ارتدت ثوب الدين، ولبست عباءة الإسلام، نهتم هنا بالرد، ليس اعتناءً بالقائل، إنما تنزيهاً للشريعة من أن تتحول نصوصها من (هداية الخلائق) إلى (هدم المجتمعات)، ونؤكد هنا على التفرقة بين الامتناع عن دفع مستحقات الدولة للعجز عن الدفع، وبين من يظن أن امتناعه له مسوغ شرعى، تأثراً بالمدلسين الذين شغلوا الناس برخيص علمهم، من خلال لىّ أعناق النصوص، بتفسير جهول، ينشر الظلمة لا النور، والهدم لا البناء. الامتناع عن دفع مستحقات الدولة من المحرمات، لأن للمسلم أخلاقاً تنأى به عن أن يرتكب حراماً، حتى وهو فى حالة حرب مع أعدائه الكافرين، كما أوصى النبى (صلى الله عليه وسلم): «لا تقتلوا صبياً ولا امرأةً ولا راهباً فى صومعته»، هذا فى حال الحرب مع كفار فما بالنا مع شركاء الوطن، والأصل فى تصرفات المسلم أن ما وافق الشرع يجب قبوله وإن خالف هواه، وما خالفه يجب تركه وإن وافق هواه، وحب الأوطان من الإيمان، والمجال السياسى وما اعتراه من خصومات هو من جملة أفعال المسلم التى سيحاسب عليها، فلا انفصال بين حال المسلم فى المسجد وحاله فى الخصومة السياسية. ما التوصيف الشرعى لمستحقات الدولة؟ ننقل ما أجاب به الأصولى الفقيه الدكتور عثمان عبدالرحيم: «مستحقات الدولة من فواتير ماء وكهرباء وتليفونات وإيجارات عامة ومترو ووسائل نقل عامة ورسوم مدارس وجامعات فى التوصيف الشرعى هى أموال عامة، مملوكة للدولة لا للأشخاص، أو القائمين على الحكم، والمال العام هو: كل مال لم يتعين مالكه لا حصراً، ولا تحديداً، وأباح المشرع انتفاع الأمة به، ويدخل ضمن مفهوم المال العام كل ما يدخل فى ميزانية الدولة، والأموال التى خرجت من ملكية الأفراد، وكذلك المرافق العامة المخصصة للناس، والمساجد، والحدائق العامة، والمشافى، والأبنية ومركبات النقل العامة، وخطوط الكهرباء، والمياه فى الشوارع قبل وبعد إيصالها إلى المنازل، وغير ذلك مما هو مملوك للدولة، والمستحقات عقد مبرم بينك وبين الدولة، ولذا أجمع الفقهاء على أن مَن أتلف شيئاً من أموال بيت المال بغير حق، كان ضامنا لما أتلفه، ومن أخذ منه شيئاً بغير حق لَزمه رده، أو رد مِثله إن كان مثلياً، وقيمته إن كان قِيمياً، لأنه ملك للناس وليس للحكومات. والدولة فى النظام الإسلامى لها شخصية اعتبارية مستقلة، وأهلية خاصة، وذمة مالية مستقلة، وبالتالى تكون شخصيتها منفصلة تماماً عن القائم عليها، ولا صلة لها به، سواء كان رئيساً أو رئيس وزراء أو وزيراً أو نظام حكم، فالدولة جهة منفصلة ذات قوام حقوقى له تنظيم خاص به، يمثل من خلاله مصالح مجموع الناس فى الأموال التى ترد عليه، وبالتالى فالدولة فى مفهوم الشرع والقانون لا علاقة لها بالقائم عليها أو بتوجهه أو انتمائه أو فكره أو أخطائه أو خطاياه». وتبقى أسئلة: - أليست الدولة هى التى خالفت العقد المبرم حين عزلت الرئيس المنتخب؟ - أليس فى عدم دفع الفواتير إضعاف للدولة الظالمة؟ - أليست الغاية تبرر الوسيلة؟ - وما الرأى فيمن يقول أنا لا أمتنع بالكلية عن الدفع، هى ستكون ديناً وسأدفعها عند انهيار النظام؟ - أليس الأهم أن تقدم لنا تأصيلاً شرعياً لحكم من يسفك الدماء بدلاً من الحديث عن دفع المستحقات؟ والإجابات فى المقالات القادمة بإذن الله.