تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كلية الألسن 2024 المرحلة الأولي بالنسبة المئوية    محافظة الجيزة تعلن الانتهاء من أعمال إصلاح كابل الجهد العالي (66 ك.ف) بجزيرة الذهب    استشهاد 12 فلسطينيا في غارة إسرائيلية على منزل بقطاع غزة    ميرتس يرحب بالتفاهم بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في النزاع الجمركي    الإطار التنسيقي الشيعي يدين هجوم الحشد الشعبي على مبنى حكومي ببغداد    الأمن يوضح ملابسات وفاة متهم بقضية مخدرات داخل حجز بلقاس    الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2025 - 2026 «أيام الدراسة والإجازات»    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الإثنين 28-7-2025 بعد ارتفاعه الأخير في 5 بنوك    الأرز والعدس.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية اليوم الإثنين 28 يوليو 2025    تجاوزات في ودية المصري والترجي.. ومحمد موسى: البعثة بخير    الاتحاد الأوروبي يقر تيسيرات جديدة على صادرات البطاطس المصرية    تعرف على مواعيد مباريات المصري بالدوري خلال الموسم الكروي الجديد    محافظ القليوبية يجري جولة مفاجئة بمدينة الخانكة ويوجّه بتطوير شارع الجمهورية    "حماة الوطن" يحشد لدعم مرشحيه في "الشيوخ" بسوهاج (فيديو وصور)    «اقعد على الدكة احتياطي؟».. رد حاسم من حسين الشحات    محمد عبد الله يشكر "كبار" الأهلي.. ويشيد بمعسكر تونس    "خرج عن مساره".. وفاة 4 أشخاص في حادث قطار بألمانيا    وزير خارجية أمريكا: سنسهل محادثات السلام بين كمبوديا وتايلاند    استمرار الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الإثنين 28 يوليو    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    بالصور.. اصطدام قطار بجرار أثناء عبوره شريط السكة الحديد بالبحيرة    طعنة غدر.. حبس عاطلين بتهمة الاعتداء على صديقهما بالقليوبية    بالصور.. إيهاب توفيق يتألق في حفل افتتاح المهرجان الصيفي للموسيقى والغناء بالإسكندرية    هدى المفتي تحسم الجدل وترد على أنباء ارتباطها ب أحمد مالك    بعد تهشم إصبعه.. جراحة معقدة تنقذ يد مصاب بمستشفى ههيا في الشرقية    4 انفجارات متتالية تهز العاصمة السورية دمشق    الخارجية السودانية تدين إعلان قوات الدعم السريع «حكومة وهمية» وتطلب عدم الاعتراف بها    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 28 يوليو    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 28 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    وائل جسار ل فضل شاكر: سلم نفسك للقضاء وهتاخد براءة    تتغيب عنه واشنطن.. انطلاق المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية بنيويورك اليوم    تنسيق الثانوية العامة 2025 بالقاهرة.. درجة القبول والشروط لطلاب الانتظام والخدمات    رسمياً تنسيق الجامعات 2025 القائمة الكاملة لكليات علمي علوم «الأماكن المتاحة من الطب للعلوم الصحية»    أسعار الذهب اليوم في المملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 28 يوليو 2025    «مكنتش بتاعتها».. بسمة بوسيل تفجر مفاجأة بشأن أغنية «مشاعر» ل شيرين عبدالوهاب.. ما القصة؟    منها «الاتجار في المخدرات».. ما هي اتهامات «أيمن صبري» بعد وفاته داخل محبسه ب بلقاس في الدقهلية؟    لا أماكن بكليات الهندسة للمرحلة الثانية.. ومنافسة شرسة على الحاسبات والذكاء الاصطناعي    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    كريم رمزي: جلسة مرتقبة بين محمد يوسف ونجم الأهلي لمناقشة تجديد عقده    السيطرة على حريق أعلى سطح منزل في البلينا دون إصابات    تنسيق الكليات 2025، الحدود الدنيا لجميع الشعب بالدرجات والنسب المئوية لطلبة الثانوية بنظاميها    ردا على الأهلي، ماذا فعل الزمالك مع زيزو قبل لقاء القمة؟    حسين الشحات: لن أرحل عن الأهلي إلا في هذه الحالة، والتتويج أمام الزمالك أسعد لحظاتي    بعد 26 ساعة من العمل.. بدء اختبار الكابلات لإعادة التيار الكهربائي للجيزة    أحمد نبيل: تعليم الأطفال فن البانتومايم غيّر نظرتهم للتعبير عن المشاعر    وزير السياحة: ترخيص 56 وحدة فندقية جديدة و60 طلبًا قيد الدراسة    إدريس يشيد بالبداية المبهرة.. ثلاث ميداليات للبعثة المصرية فى أول أيام دورة الألعاب الإفريقية للمدارس    متخليش الصيف ينسيك.. فواكه ممنوعة لمرضى السكر    أم وابنها يهزمان الزمن ويصنعان معجزة فى الثانوية العامة.. الأم تحصل على 89% والابن 86%.. محمد: ليست فقط أمى بل زميلتي بالدراسة.. والأم: التعليم لا يعرف عمرا وحلمنا ندرس صيدلة.. ونائب محافظ سوهاج يكرمهما.. فيديو    المعهد القومي للكبد: مصر حققت إنجازًا عالميًا في القضاء على فيروس "سي"    الباذنجان مهم لمرضى السكر والكوليسترول ويحمي من الزهايمر    بعد توقف 11 عاما.. رئيس حقوق الإنسان بالنواب يُشارك في تشغيل مستشفي دار السلام    رغم ارتفاع درجات الحرارة.. قوافل "100 يوم صحة" تواصل عملها بالوادى الجديد    رفضت عرسانًا «أزهريين» وطلبت من زوجها التعدد.. 19 معلومة عن الدكتورة سعاد صالح    في الحر الشديد.. هل تجوز الصلاة ب"الفانلة الحمالات"؟.. أمين الفتوى يوضح    بتوجيهات شيخ الأزهر.. قافلة إغاثية عاجلة من «بيت الزكاة والصدقات» في طريقها إلى غزة    هل الحر الشديد غضبًا إلهيًا؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرق الأوسط فى انتظار «ربيع العلم»
نشر في الوطن يوم 21 - 03 - 2014

الشرق الأوسط غنى بالموارد البشرية والطبيعية، لكن العديد من بلدانه فى حاجة إلى تحولات ثقافية وعلمية حتى تصل إلى المستويات العالمية فى مجالات التعليم والبحث العلمى والإنتاجية الاقتصادية. وهناك بعض المؤسسات التى نجحت فى إحداث تأثير إيجابى، وهذا يشعل الأمل لبداية «ربيع العلم» فى المنطقة.
قد تكون نتائج الانتفاضات فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غير واضحة حتى الآن، ولكن ما هو واضح أن تحولا سياسيا قد حدث، وأن المواطنين فى بلدان مثل مصر وتونس لن يسمحوا بالعودة إلى الحكم الشمولى؛ فهذه الشعوب لم تعد فقط قادرة على الخروج للشوارع وإسقاط الحكومات، لكنها أيضا لن تقبل بأوضاع اقتصادية وتعليمية متدهورة؛ فهم يرون العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعى والإنترنت، ويتساءلون: لماذا فشلوا فى تحقيق ما حققه نظراؤهم فى كوريا الجنوبية أو الصين؟
قد يجادل بعض الخبراء بأن الديمقراطية،
هى فقط ما ينبغى أن يكون الناتج لهذه الانتفاضات، لكن التحولات الثقافية والعلمية على نفس القدر من الأهمية؛ فهى ضرورية لتحقيق التنمية ودعم الدبلوماسية. ويجب أن نتذكر أن تطور الحضارة الغربية كان خلال «عصر التنوير» الذى سبق تحقق الديمقراطية الحديثة، وكل من التنوير والديمقراطية سبقا شكل الحكم والنظام الاجتماعى الحاليين فى الدول الغربية.
لقد كنت مهتماً على مدى عقود -سواء على المستوى الشخصى أو بصفتى الرسمية- بهذه القضايا فى الشرق الأوسط وتأثيرها على قضية إتاحة العلم لغير القادرين وما يرتبط بذلك من دور برامج المساعدات ونشر العلم فى الدول النامية. وفى نوفمبر 2009، كُلفت بأن أكون أول مبعوث علمى للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، وسرعان ما بدأت مهمتى بزيارة عدة بلدان فى المنطقة، هى: مصر، البلد الأكثر سكاناً فى العالم العربى (85 مليون نسمة) التى يبلغ فيها نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى (GDP) 6500 دولار، وتركيا (80 مليون نسمة) التى يبلغ فيها نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى 15 ألف دولار، وقطر (2 مليون نسمة، يمثل تعداد القطريين نحو 300 ألف مواطن فقط) التى يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى فيها 100 ألف دولار. وتظهر الإحصاءات «كما هو مبين فى الشكل أسفل الصفحة» تعداد السكان ونصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى لهذه البلدان، بالإضافة إلى كل من إيران (تقريبا نفس عدد سكان مصر) وكوريا الجنوبية التى حققت تقدماً علمياً ملحوظاً فى العقود الماضية ويتمتع بمعدل أعلى بكثير من مصر من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى.
خلال هذه الزيارات، عقدت اجتماعات مع شرائح عريضة شملت المسئولين الحكوميين (رؤساء الدول ورؤساء الوزراء والوزراء وبعض أعضاء البرلمان)، وأعضاء من قطاع التعليم (المعلمين والطلاب وأساتذة الجامعات)، ومؤسسات التعليم العالى والبحث العلمى (من الجامعات الخاصة والحكومية)، وأعضاء من القطاع الخاص (من الاقتصاديين والصناعيين والكتاب والناشرين) وبعض ممثلى وسائل الإعلام. وقد كشفت هذه الزيارات عن حجم مأساة التعليم والعلوم فى المنطقة، فكلاهما (العلم والتعليم) متخلف بالمعايير الدولية، وعواقب هذه الحقيقة كانت جلية فى تقرير التنمية البشرية فى العالم العربى لعام 2003، الذى أُعد تحت رعاية البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة. والأرقام تتحدث عن نفسها؛ فمثلاً بينما تنفق كل من كوريا الجنوبية وإسرائيل 4٪ و5٪ من الناتج المحلى الإجمالى على «البحث والتطوير» والتعليم على التوالى، تنفق مصر على البند الأول 0٫4٪ من الناتج المحلى الإجمالى فقط، مع ملاحظة أن نصيب الفرد فى مصر من هذا الناتج الإجمالى لا يزيد على 6500 دولار مقابل 30 ألف دولار فى كل من كوريا الجنوبية وإسرائيل. المثير للدهشة أن الأوضاع الحالية فى مصر الآن تتناقض بشكل كبير مع مستوى المدارس والجامعات الجيد فى الستينات من القرن الماضى، وقد استفدت شخصياً من هذا النظام بالحصول على تعليم ممتاز فى مصر فى تلك الفترة.
فى الشرق الأوسط، تتصدر إسرائيل اليوم الساحة العلمية، وجزء كبير من ناتجها المحلى الإجمالى تقوده الأبحاث العلمية المتطورة. وبشكل عام، تُظهر مؤشرات النشر والاقتباس تحسناً مشجعاً فى المنطقة على مدى العقد الماضى (الشكل2). ومع ذلك، فإن الإنجاز العلمى للعرب والإيرانيين أو الأتراك يظل متواضعاً أمام إنجازات إسرائيل والغرب. ومن الطبيعى أن نسأل لماذا لم ينتج العلماء -فى مجموعهم- فى هذه الدول مقارنة بنظرائهم فى الغرب والدول الصاعدة فى الشرق؟ الأسباب عديدة، منها الأمية التى ورثناها من حقبة الاستعمار، وسوء الحكم والقيود المفروضة على التفكير الحر خلال أكثر من خمسين عاماً مضت، واستمرار تدهور التعليم الأساسى بسبب السياسات غير الفعالة فى التعامل مع تضخم أعداد الطلاب. لكن بعيداً عن الأسباب التى قادتنا إلى الوضع الراهن، من المهم أن نفهم ما يجرى عمله الآن لتغيير هذا الوضع. والواقع أن ما يجرى يختلف من بلد لآخر، وسوف أسوق هنا أربعة أمثلة لدول متجاورة جغرافياً ويجمعها الإسلام كدين وثقافة لأغلبية مواطنيها:
قطر
فى الخليج، عملت سابقاً فى مجلس إدارة مؤسسة قطر لما يقرب من 10 سنوات، وهى الفترة التى شهدت ميلاد تجربة جديدة فى التعليم الجامعى؛ تمثلت فى نقل نظم الجامعات الغربية ومناهجها للدوحة بهدف تقديم تعليم متطور لطلاب المنطقة. اليوم، يوجد فى قطر العديد من الجامعات ذات السمعة الطيبة، التى ترعاها مؤسسة قطر مثل جامعة «كارنيجى مللون» للحاسب الآلى والعلوم البيولوجية، وكلية طب «وايل كورنيل» وجامعة «جورج تاون» المتخصصة فى الشئون الدولية والاقتصاد. هذه الجامعات وغيرها تمنح طلابها درجات علمية فى الدوحة ولكن تحمل الأختام الأم فى بيتسبرج ونيويورك وواشنطن. هذه التجربة كانت مكلفة جداً للدوحة، لكنها ناجحة أيضا؛ لأنها جلبت معها ثقافة جديدة للتعلم ووضعت معايير جديدة فى مجال التعليم. فى الوقت الراهن تخدم هذه المؤسسات عدداً محدوداً نسبياً من السكان، ولكن مع مرور الوقت ستُمنح فرص لعدد أكبر من الطلاب للاستفادة من هذه التجربة، وذلك لأن الحكومة القطرية قد خصصت بالفعل المساحة والأموال اللازمة لاستمرار تجربة المؤسسة.
تركيا
على مستوى الدراسات العليا، هناك مؤسستان، إحداهما فى تركيا والثانية فى المملكة العربية السعودية، تقدمان مستوى مختلفاً ومميزاً من التعليم وقادرتان على تحقيق إنجازات علمية من خلال وسائل مختلفة. أولى هاتين المؤسستين هى مدينة العلوم، المعروفة ب«بيلكنت»، التى كانت أول جامعة خاصة فى تركيا، وخلال عمرها الذى يمتد لثلاثين عاما قدمت «بيلكنت» نفسها كمؤسسة رائدة فى مجال التعليم الجامعى والبحث العلمى، ويتم تصنيفها كواحدة من أفضل المؤسسات التعليمية فى «أوراسيا» أو مجموعة الدول التى تقع أراضيها على كل من قارتى آسيا وأوروبا. وأثناء زيارتى ل«بيلكنت»، انبهرت بالمستوى العالمى لأعضاء هيئة التدريس فيها وثقافة المكان والطموح الموجود هناك لتحقيق أعلى مستوى علمى ممكن. وتملك تركيا الموارد البشرية اللازمة و«بيلكنت» قادرة على اجتذاب أفضل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس.
السعودية
أما المؤسسة الثانية التى تركز على البحث والتطوير فى المنطقة فهى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا «KAUST» فى السعودية. خصصت السعودية أكثر من 10 مليارات دولار لهذا المشروع، ومعظم الأساتذة يأتون من خارج المملكة، وعلى وجه اليقين سوف تكون هناك نتائج ملموسة لبحوث الجامعة فى السنوات المقبلة، فى مجالات متنوعة ومهمة، ما سيخلق فرصاً جديدة، لكن التحدى الحقيقى هو كيفية نشر هذه الثقافة العلمية الجديدة فى جميع أنحاء المملكة، بما يتجاوز أسوار جامعة الملك عبدالله، وكيفية جعل هذه الثقافة جذابة للطلاب والباحثين السعوديين بما يضمن استمرار واستدامة هذا النوع من المشروعات.
مصر
فى مصر، كان المسار مختلفاً وقد كنت شخصياً مخططاً لهذا المسار منذ أكثر من 10 سنوات. فى عام 1999 أطلعت الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك على التصور الأساسى لمشروع طموح للنهضة العلمية، لكن توقف هذا المشروع لأسباب سياسية. ثم تم إحياؤه بعد ثورة يناير 2011، وصدر مرسوم من الحكومة المصرية بالبدء فيه كمشروع وطنى للنهضة العلمية، وأطلق عليه «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا»، وتم بالفعل افتتاح المدينة فى نوفمبر من عام 2011 على حرم جامعى يقع على مشارف القاهرة.
المشروع القومى له نواحٍ فريدة ومتعددة؛ فهو أولاً وبشكل غير مسبوق فى مصر قد تم دعمه بتمويل من الحكومة وتبرعات المواطنين، ثانياً: سُنت قوانين خاصة للمدينة فى عام 2012 تسمح باستقلال إدارتها من قِبَل مجلس الأمناء الذى يضم خمسة من الحائزين جائزة نوبل، ثالثاً: تضم المدينة ثلاثة مكونات أو هيئات فرعية متكاملة، هى الجامعة ومعاهد الأبحاث وهرم التكنولوجيا، هذا وقد تم تصميم التصور العام للمدينة بحيث يقدم مستوى عالمياً فى التعليم والبحث العلمى والإنجازات الصناعية. كان الهدف من هذا المشروع الطموح هو بناء قاعدة علمية حديثة مع قطاع صناعى متقدم، وبنفس القدر من الأهمية: الحد من هجرة العقول الوطنية فى مجالات العلوم والهندسة المتقدمة.
الغرض الرئيسى من الجامعة هو جذب الطلاب الموهوبين من جميع أنحاء البلاد وتوفير مناهج أكاديمية فريدة من نوعها صُممت خصيصاً لتوفير المعرفة فى المجالات المتطورة من العلوم والهندسة لهؤلاء الطلاب. هذا المفهوم الجديد كان خروجاً عن المفاهيم السائدة فى المؤسسات التقليدية التى تفصل الجدران بين تخصصاتها، إن الطلاب فى «مدينة زويل» لديهم الفرصة للتعلم والاستفادة من نظام متعدد التخصصات. وفى هذا العام تقدم 6 آلاف طالب للالتحاق بالجامعة تم قبول 300 طالب منهم فقط، أى بنسبة 5٪، وهو ما يماثل معدلات القبول فى جامعتى «هارفارد» و«ييل».
المكون الثانى للمدينة هو معاهد الأبحاث التى استضافت مراكز فى طليعة العلوم والهندسة، وتعطى الأولوية للبحوث التى تخدم الاحتياجات الوطنية لمصر. نطاق البحوث واسع، من العلوم الطبية الحيوية -التى تعتبر مهمة للتخفيف من حدة الأمراض المتوطنة فى البلاد- إلى البحث والتطوير فى مجالات مثل الطاقة الشمسية وهو مصدر بديل ووفير فى مصر. فى الوقت الحاضر، لدينا سبعة مراكز للأبحاث فى الفيزياء الأساسية وعلوم المواد وتكنولوجيا النانو والتصوير والعلوم الطبية الحيوية وغيرها.. أما المكون الثالث فهو «هرم التكنولوجيا» الذى يهدف إلى نقل نتائج أبحاث معاهد البحوث إلى التطبيقات الصناعية وإطلاق حاضنات أعمال واجتذاب شركات دولية كبرى للعمل والاستثمار.
هذه المراكز المتميزة فى المنطقة لديها القدرة على إحداث نقلة نوعية فى حالة العلم والثقافة. ومع ذلك، فإن الدول الغنية بالكوادر البشرية، ولكنها تعانى سوء إدارة وارتفاعاً فى الأمية، تحتاج لتغييرات ثورية أخرى، أولها وأكثرها أهمية: القضاء على الأمية وبناء رأس المال البشرى بمشاركة المرأة فى منظومة العمل. ويقوم نظام التعليم الحالى فى هذه الدول على التلقين والحفظ مع التركيز على الكم وليس الكيف. والآن يجب أن يتم تبنى نظام آخر يهدف إلى تشجيع التفكير الحر والإبداعى.
ثانياً: من الضرورى إصلاح الدساتير لتضمن حرية الفكر وحماية البحث العلمى من التدخل السياسى والنزاعات الدينية، كما يجب أن تُلزم الدساتير الحكومات برفع ميزانية البحث والتطوير على الأقل إلى 1٪ من الناتج المحلى الإجمالى وتخفيض الإجراءات البيروقراطية من خلال إصلاح القوانين واللوائح التى تعيق ولا تعين.
ثالثا: ضرورة الإصلاح الثقافى، وهو الأكثر صعوبة على الأرجح؛ فبعد عقود من الحكم السيئ والصراعات الدينية، هناك حاجة ماسة لإحداث تغيير فى التفكير، ينقلنا من التعصب إلى التسامح مع الآخرين والإنصات للرأى الآخر، أو ببساطة فهم فضائل «التعددية». ودون نظام تعليم سليم ومراكز استنارة متميزة، فإن الأمل فى تحقيق هذه التغييرات سيخفت بفضل المناورات السياسية والنزاعات الدينية.
مصر كانت ولا تزال قائدة العالم العربى، وثورتها المقبلة فى التعليم والثقافة ستؤدى إلى إطلاق تحولات كبرى فى الدول العربية الأخرى. وعلى الرغم من تراجع هذا الدور القيادى خلال العقود الثلاثة الماضية تحت حكم «مبارك»، فإن مصر ما زالت تمتلك التاريخ والأساس، ناهيك عن عدد السكان والمؤسسات العريقة، لاستعادة القوة الدافعة لإحداث التحولات اللازمة. واليوم مصر موطن الأزهر الشريف (وهو أقدم من جامعتى أكسفورد وكامبريدج) وجامعة القاهرة (وهى مركز للتنوير ليس فقط فى مصر ولكن أيضا فى العالم العربى كله). وبالتالى فإن التغيير وإعادة البناء هما أمران حقيقيان وليسا خيالاً.
الشرق الأوسط، بكل ما يملك من موارد، ليس أقل قدرة على التنمية من دول جنوب شرق آسيا؛ فرأس المال البشرى متاح، خصوصا أن نحو 70٪ من سكان دوله تقل أعمارهم عن 30 عاماً، كما أن المنطقة غنية بالموارد الطبيعية وتتمتع بمناخ معتدل، والناس بحكم ثقافتهم ودودون ويميلون إلى العمل بالتجارة. ويمكن معالجة أوجه القصور الثلاثة التى حددها تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2003 (وهى: نقص الحرية والمعرفة والفجوة بين الجنسين) من خلال إصلاح التعليم ونظام الحكم، على النحو الذى أوضحته سالفاً. ويجب أن تتجاوز إصلاحات التعليم والبحث العلمى سياسات الترقيع الفاشلة التى تم اتباعها فى الفترات السابقة، كما يجب أن تدعم الدولة التفكير الإبداعى والابتكار، فضلاً عن البحث الذى يحركه الفضول الإنسانى، وعلاوة على ذلك، يجب أن تغرس مفهوم المواطنة فى قلوب الناس، وهو ما لا يمكن أن يتحقق دون وجود تقدير لقيمة المناقشات الحرة، والعمل بروح الفريق واحترام التعددية.
الصحوة العربية حقيقة واقعة، لكن الصراعات السياسية فى المنطقة تحجب إمكاناتها. هنا، أيضاً، يمكن للتعليم والعلم أن يلعبا دوراً رئيسياً فى الدبلوماسية وتسريع عملية السلام. فبمجرد أن يحقق العرب إنجازات علمية عالمية من خلال عمليات التحول التعليمية والثقافية، وعندما تدرك دول، مثل إسرائيل، إمكانات وأهمية هذه الإنجازات، فإن كل القوى المتصارعة سوف تبحث عن العقلانية والجدية من أجل الحلول الدبلوماسية والسلام الشامل والعادل، وبالتالى توجه طاقات المنطقة نحو التنمية البشرية والاقتصادية.
والأمل الآن معقود على أن تدعم الصحوة السياسية صحوة أخرى ألا وهى «ربيع العلم» وأن تجتاح هذه الصحوة الشرق الأوسط وتُمكن شعوبه من بناء مجتمع المعرفة.
إن اكتساب المعرفة هو مفهوم من صميم نسيج الدين الإسلامى وكان قاعدة لانطلاق ونجاح إمبراطوريته منذ عدة قرون. ولكن لاستعادة هذه المكانة فى عالم اليوم، يجب أن يعود هذا المفهوم مرة أخرى لأبناء الأمة، ليغير الثقافة السائدة ويشكل مستقبلاً جديداً وواعداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.