سؤال يسأله جندى بسيط مهمته أن يقف على حراسة ثغرة من ثغور الوطن، ما يفهمه وما يعتقده وما يؤمن به أنه بأدائه المخلص لتلك المهمة، يرضى الله، ويتبع سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، ويخلص لوطنه الحبيب الذى نشأ فيه وسكن فى دار من دياره، وشرب من ماء نهره، وأكل من زرع أرضه وأقسم أن يدافع عنه وأن يذود عن حماه. فى ليلة من الليالى بعد أن يقف محمد مرابضاً فى الشتاء البارد يسمع أذان الفجر، ويذهب ليتوضأ تاركاً رفيقه فى الحراسة، ثم يعود ليذهب الآخر للوضوء، ثم يبدأ الجنديان فى الصلاة وبعدها بدقائق تبدأ الشمس فى خطواتها الحثيثة نحو الشروق وقبل أن يتلألأ ضوؤها الأحمر الساطع، تأتى سيارة مسرعة عليها أرقام وعلامات مصرية وفى ثوانٍ يبدأ من فيها إطلاق الرصاص من مدافعهم بكثافة نحو الجندى الذى يتردد بداية فى تبادل إطلاق النار، لا لأنه لم يتدرب جيداً ولا لأنه لم يتبع القواعد، ولكن لأنه اعتاد إطلاق النار فقط على العدو وهو بعد لم يدرك أن من فى السيارة الصديقة المواطنة أعداء. فى لحظات تمهله وتأمله يبدأ الخونة إطلاق النيران التى تصيب القلب البرىء المصدوم بالخيانة قبل الرصاص ويسقط الجندى على أرض بلاده، يبلل ثراها بدمائه الحارة الفوارة والغريب أن الرضا التاريخى المنحوت على وجهه لم يتبدل، بيد أن العين وحدها يظل فى مقلتها سؤال: لماذا يقتلوننى؟ لماذا أريد لهم الحياة ويريدون لى الموت؟ أنا أبسط مما يتصورون أنا أصبر مما يتخيلون، إن أبى مزارع بسيط علمنى حب الأرض وأفهمنى أن قدسيتها شرف وعرض، لى اثنان من الإخوة وبنتان أنا أكبرهم لما اشتد عودى، لمحت الغبطة فى محيا أبى والفخر والزهو فى عين أمى. لقد صرت قادراً على أن أشاركهما رحلة الكفاح. لقد أصبحت قادراً على أن أقاسمهما بعض الجراح. وأنا مستقيم أجيب دعوة الداعى إذا أذن حى على الصلاة حى على الفلاح. وأقصى ما أتمناه دعوة من أمى الحبيبة، ورضا من الأب المصرى الفلاح، وسلام نفسى وانشراح يبعثه فى أعماقى القيام بالواجب والإحساس بالمسئولية، وحملها بعزم وكفاح دون أن تولى أيام الزحف وهى عديدة ومستمرة، بل أبدية فى الجهاد الأكبر عند المصريين الحقيقيين الصحاح. إننى أموت وأنا مندهش لماذا يقتلوننى؟ أريد أن أعرف سبباً واحداً يمكن للعقل أن يستوعبه، أريد أن أتلقى فائدة واحدة سوف يكسبها المسلمون المؤمنون من قتلى؟ إننى لم أوجه بندقيتى يوماً إلى رأس مصرى إلا لو تأكدت أنه لم يعد مصرياً بل بات عدواً خائناً. لقد قال القائد صادقاً، فصدقته: إن هؤلاء المتآمرين يسعون سعيهم ويجاهدون جهادهم المزعوم لتصبح مصر نسخة من سوريا اليوم أو العراق، وإننى وزملائى من الجنود الحائط الصلد الذى يحول بينهم وبين أهدافهم اللعينة، هل يفهم الآن القتلة لماذا أقف مكانى، ولماذا أدافع دفاعى، وما الذنب إذن الذى اقترفته نحوهم؟ هل كان يجب أن أتمرد على قائدى وأرفض أوامره وأحدث الفوضى فى مؤسسسات الضبط والربط وبعد ذلك أنضم إلى فرقهم المارقة، ليطلقوا عليها مرة الجيش الحر ومرة كتائب الأقصى ومرة التوحيد والجهاد وبعد أن نقضى على النظام والسلام ونزرع الحرب والدمار تبدأ الفصائل فى الاقتتال والتناحر حتى الموت، وبعدها يجد الأعداء المتربصون الفرصة للدخول على جماجم أصحاب الأرض وهنيئاً لهم، فقد تحققت كل أحلامهم دون أن يتكلفوا طلقة رصاص واحدة ودون أن يهدروا قطرة دم واحدة، هل لهذا السبب قتلتمونى أيها الأبطال المزيفون، أيها المجاهدون الخائنون؟