تشاجرت مع زوجي ذات مرة وتوقعت منه أي شيء، أن يترك المائدة غاضبا، أو يكسر أي شيء أمامه كعادته، أو أن يصمت ويقلب "سحنته" لأيام طويلة أظل فيها أضرب أخماسا في أسداس، ولكنني فوجئت به يصيح في وجهي قائلا " انتي مبتعرفيش تتحملي أي مسؤولية ". أمام هذه الكلمات الصارخة الصادمة أصبت بحالة ذهول ولم أردّ عليه مطلقا، وأخذت للحظات قصيرة أستعرض شريط ذكرياتي اليومي، وأنا أستيقظ من الفجر وقد انتابتني حالة من الهلع "مين فين امتى وازاي"، فصوت المنبه يوقظني كل يوم من عالم النسيان لأهرع مؤدية صلاتي، رافعة يداي بالدعاء لمولاي كي يمرر يومي الجديد على خير، فلا يحدث لي فيه أي مشاكل طارئة، ثم أعدو نحو المطبخ وبسرعة الضوء أبدأ في تجهيز الساندويتشات للأولاد، هذا جبن وذاك حلاوة وتلك لحم مجفف، مع أخذ الحيطة والحذر حتى لا تختلط عليّ الأمور، فأضع لهذا ساندويتشات ذاك وتلك أشياء الآخر. وبعدها تبدأ المهمة الأصعب إيقاظ الثلاثة والمحايلة والمداعبة والتهديد، الذي ينتهي بصرخات لا تتوقف حتى يستيقظ الموتى، ونبدأ في البحث عن الجوارب والملابس والفيونكات والمستلزمات، مع تكرار المشاحنات والمضايقات تتخللها التوجيهات المملة مني والإرشادات، ويتحرٌك الجميع بعد عذاب هذا بالباص وذاك بالسيارة وتلك مع بنت الجيران، وسط استغاثاتي وتنبيهاتي وتعليماتي التي تذهب كلها أدراج الرياح. ثم تبدأ مرحلة اخرى من الاستعدادات، إفطار زوجي وإيقاظه لعمله وتحضير ملابسه وملابسي ومستلزماته ومستلزماتي، وأي خطأ مني قد يكلفني حياتي، وأنزل للعمل ولا أمل في نهاية المشاكل، اجتماع الإدارة والمشاحنات مع العملاء وبعض "الأسافين" من الزملاء حتى ينتهي يومي بأي نهاية أعود بعدها من جديد لنقطة البداية. عودا حميدا من المدرسة ومشاكل دراسية لا تنتهي، وإعداد للمائدة واعتراضات وصراخات وخد وهات وكتب وكراسات وهتافات "عايز قلمي .. مش فاهم حاجة .. ماما تعالي ... عضني ... ضربني .. الكتاب ضاع .. عايزينك بكرة في المدرسة "، أتحمل كل هذا وسط غسل ومسح وكنس ولمّ وجمع ولا طرح أبدا للأعباء والمشاكل، وبعد عشاء خفيف يبدأ صوتي في التصاعد التدريجي "كفاية حرام عليكوا.. تعبت.. اتخمدوا بقى.. ناموا.. نامت عليكوا حيطة ". وينتهي اليوم بعد أن تنتهي كل أحلامي في أن أنال قسطا طفيفا من الراحة، عمل مستمر وحنجرة مفتوحة وسواعد لا تتوانى عن القيام بكل شيء، ناهيكم عن الإجازات ومشاكلها الأكبر، نادي وسهر وطلبات لا تنتهي والعبء كله على من ؟ على "ماما"، عندها توقف شريط الذكريات ونظرت لزوجي نظرة مرعبة انخلع لها قلبه تقريبا، وانا أهتف قائلة من أعماق قلبي "فعلا عندك حق أنا مبتحملش أي مسؤولية خالص"، انتهى الأمر على هذا ويمكنكم السؤال عنه الآن في العناية المركزة.