رحم الله د.عزازى على عزازى، السياسى والإنسان، المعارض الناصرى الصلب والمحاور الديمقراطى.. لن أنسى آخر لقاء بيننا قبل سفره بأسابيع مصادفة فى مطعم «البرنس» بإمبابة، حيث جلسنا بعدها على المقهى المجاور بصحبة مجموعة من أصدقائه الناصريين المتشددين لصباحى، بينما كنت مع مجموعة من المناصرين للسيسى، هم الأصدقاء الفنان القدير د.أحمد محمود والكاتبان الكبيران محمود الكردوسى وعلى السيد.. وبالمناسبة كان الكردوسى يخشى عند كتابته ناقداً لصباحى من مكالمة عتاب عزازى لكنها لم تكن تأتى.. المهم زاد الحوار من السخونة السياسية.. وكان عزازى هو «الفلتر» الوحيد الذى يمتص الصدمات كلما علا الصوت أو وصل الحوار إلى مناطق وعرة. امتلك عزازى (رحمه الله) «كبداً مريضاً» هلكته الأيام وأوجاع الوطن لكن الله منحه زهداً لم يصل لكثيرين من السياسيين، وبساطة وحميمية افتقدها كثيرون من النخبة.. لقد فوجئت أثناء تقديمى لبرنامجى «مصر تقرر» على قناة «الحياة» بزميلى عادل الدرجلى يقول لى «هناك مداخلة مهمة مع د.عزازى على عزازى محافظ الشرقية»، فوجدته يعلن استقالته من المنصب على الهواء، وعندما سألته «لماذا لا تنتظر التشكيل الحكومى؟»، قال: «المشروع الذى يمثله د.محمد مرسى يعبر عن أدبيات الإخوان وهو ما أرفضه حتى لو كان ضمن حكومة ائتلافية»، ثم أضاف: «ضميرى يجعلنى أنسحب».. فعل ذلك وكان هناك كثيرون يتوددون للإخوان لكنه أبى أن يقنع نفسه بعكس ما تربى عليه. رفض «الغشاوة» التى أصابت البعض.. وحتى عندما دعوناه للكتابة فى جريدة «الوطن» كان أول مقالاته تحت عنوان «اعتذار للإخوان» يوم 18 نوفمبر 2012، وعندما كان كثيرون من النخبة «يدوبون فى عرق الجماعة»، كتب فيها: «لقد تحولوا إلى أسطورة فيما هم محض بيت للعنكبوت»، واختتم مقاله: «لا عذر لنا إذا توهمنا ثانية أنهم سيستمرون طويلاً». وحده «عزازى» الذى كان متسقاً مع ذاته وقناعاته ومؤمناً بخطورة الإخوان على الوطن.. لم ينتظر تجربتهم لأنه يعرفهم جيداً وظل يدافع عن القضاء والأزهر والجيش والشرطة والإعلام والمخابرات والمعارضة من خطط الأخونة.. لم يضحكوا عليه كما فعلوا مع كثيرين اندمجوا معهم إما جرياً وراء السلطة أو ببراءة تؤكد عدم المعرفة بالواقع السياسى ولا التاريخ المصرى.. أما عزازى فامتلك المعرفة والحسم والزهد فى لحظة صعبة ودفع ثمن ذلك حملات تشويه قادتها كتائب الإخوان الإلكترونية، لكنهم أخطأوا الهدف.. وقد قال لى مع الصديق، النائب السابق، علاء عبدالمنعم، أثناء زيارته بمنزله بشارع فيصل للاطمئنان على صحته منذ عدة أشهر: «لن يرهبونى.. وكل شائعاتهم كدب».. واستمررنا وقتها ساعات نتحاور حول الإخوان و«الإنقاذ» وقضية سلمى صباحى، وما يلفت نظر أى زائر لمنزل «عزازى» هى تلك الحميمية التى لا تفصل أهل البيت عن الزوار فقد شارك أشقاؤه معنا فى الحوار وكريمته الطيبة وزوجته الزميلة الفاضلة الكاتبة سوسن الدويك.. وكان «عزازى» كعادته -رغم مرضه- ودوداً، كريماً.. ولن أنسى عندما التقينا معاً فى مايو 2011 فى كلية الآداب بجامعة الزقازيق خلال ندوة دعانا إليها وقتها د.حسن حماد، عميد الكلية، حول «التناول الإعلامى لثورة 25 يناير»، ووقتها لفت نظرى العلاقة الحميمية بين «د.عزازى» وموظفى الكلية. ■ لقد رحل مناضل عتيد.. ومعارض صلب.. وسياسى مدرك وزاهد وبسيط.. وابن أصيل للدولة المصرية التى يجب عليها تكريمه فى وقت صعب كانت فيه الدولة أحوج ما يكون لآلاف من «عزازى».. لكنها إرادة الله.. ولا رد لقضائه.. غفر الله له ورحمه وعوّض عنه مصر خيراً.. فلقد كان «مدرسة سياسية»، للأسف لم يستفد منها كثيرون!!