سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يوسف القعيد: لو كان نجيب يعيش بيننا الآن لأطلق جملته الشهيرة «أكتب ولا أعبأ» غلق «الفراعين» ومنع مقالى فضيحة.. ولو حصل ذلك و«نجيب» على قيد الحياة لقال مقولته الشهيرة: «عندما أكتب لا أعبأ»
رواية «أولاد حارتنا» أعظم الروايات التى كتبها نجيب محفوظ بعد توقف دام ما يقرب من 7 سنوات من ثورة يوليو 1952، لنقد الثورة والنظام الاجتماعى القائم فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لن ينتهى دورها عند هذا الحد، فقد كانت قضية شائكة ليس فقط فى حياته والتى بسببها تعرض لمحاولة اغتيال، امتد الهجوم بعد وفاته وشن السلفيون هجوما على الرواية، وطالب البعض منهم بوضع مادة فى الدستور تجرم المساس ب«الذات الإلهية». يوسف القعيد، الكاتب والروائى الذى تربطه علاقة قوية مع الأديب نجيب محفوظ، يتحدث فى حوار مع «الوطن»، عن رأيه فى ذلك، وإلى أى مدى تنطبق الرواية على واقع مجتمعنا بعد ثورة 25 يناير. * بداية.. حدثنا عن ذكرياتك بنجيب محفوظ واللقاء الأول بينكما، كيف تم؟ - كانت البداية فى منتصف ستينات القرن الماضى، بحثت عن رقم تليفون نجيب محفوظ من الدليل، وطلبت منه مقابلته، لم يسألنى عن سبب المقابلة، وأعطانى ميعادا على قهوة ريش بشارع سليمان باشا من الساعة 5٫30 حتى الساعة 8٫30، وذهبت فى الميعاد وجلست معه ومع أصدقائه، وعزمنى على القهوة وتعرفت عليه، ومنذ تلك اللحظة لم أنقطع عن التردد على نجيب محفوظ فى مقاهى القاهرة العامة، مثل قهوة على بابا فى التحرير، والفيشاوى فى الحسين، وغيرهما من المقاهى إلى أن توفاه الله عام 2006. * بحكم علاقتك الوثيقة بالأديب نجيب محفوظ، ما أهم سماته التى لا يعرفها الكثيرون؟ - كان بالنسبة له البيت للأسرة وللأكل والنوم والقراءة فقط، كان يرفض استقبال أى شخص فى بيته، وذهبنا لبيته رغم أنفه لتهنئته بحصوله على جائزة نوبل، وفوجئ بوجودنا أمامه، وكانت المقاهى بالنسبة له شيئا مهما لمقابلة الناس ويستوحى منها مشاهد وشخصيات، وظهرت عنده فى أهم روايتين: الظاهر فى «قشتمر»، ومقهى ريش فى «الكرنك». كان نجيب شديد التواضع والإخلاص لعمله، لم ينتم أبدا لأى جماعة سياسية أو حزب ما، يقول رأيه بصدق، وعندما قدمت أول أعمالى له لتقييمها، قرأها بعناية وقال رأيه بكل صدق، ولم يقل كلمات عامة مثل «عجبتنى». كان يتعامل مع تنظيم الوقت على أنه ثروة حقيقية، فكان يأكل بميعاد ويقرأ بميعاد؛ لذا فإن تنظيم الوقت درس إنسانى لا بد أن نتعلمه منه. * لو كان نجيب على قيد الحياة، كيف تتوقع أن يكون رأيه فى الظروف السياسية التى نعيشها الآن؟ - أنا آخذ على نجيب أنه ديمقراطى حتى النخاع، وأى شىء تأتى به الديمقراطية يوافق عليه، حتى لو كان الإسلاميين، لديه مبدأ عام هو الاحتكام لصندوق الانتخاب ونحترم نتيجته أيا ما كانت، لكنى أختلف معه؛ لأن الصندوق قد لا يعبر عن الواقع، وكنت أقول ذلك كثيرا لنجيب، ومبررى سببان، الأول: الأمية التى تعانيها مصر، فالكثير انتخب فى مصر بالرمز؛ لأنهم لا يعرفون القراءة والكتابة، والسبب الثانى هو الفقر الشديد الذى يبيع صوته من أجله، فهما قد سببا عدوانا جائرا على الديمقراطية. * ما رأيك فى المشهد السياسى بوجود الإخوان والسلفيين؟ - السلفيون «قدر» الإخوان، ولا أحب أن يطول حكمهم فى مصر، الإخوان لهم تاريخ قديم منذ 1928 وكنت أتصور أن أداءهم سيكون أفضل من ذلك، لكن أسلاف الإخوان أفضل بكثير من الموجودين حاليا. أما السلفيون فلأول مرة يجدون أنفسهم أمام الشأن العام، ولم يعدوا أنفسهم بشكل جيد للتعامل مع هذا الشأن، وأمامهم فترة طويلة ليكونوا جزءا من هذا الشأن، لا أستطيع التعميم؛ فهناك كثير من الإخوان لا تستطيع التحدث معهم أيضا، ونفس الأمر ينطبق على السلفيين، هم وأكثر من جماعة خرجت من الظل لتمارس الصواب والخطأ، لكن للأسف الخطأ الذى يقومون به أكثر. * ما رأيك فى مطلب السلفيين بوضع مادة فى الدستور تنص على أن الذات الإلهية «مصونة»؟ - الحرية لا يمكن أن تكون مشروطة، لا بد أن تكون الحرية مطلقة، خاصة فى الكتابة يحتكم فيها المبدع لضميره، والذات الإلهية مصونة ولا يمكن لأى شرقى أن يتطاول عليها، ووضع مثل هذه المادة يمكن أن يستخدم استخداما يختلف عن القصد منه، وأرجو ألا توضع مثل هذه المادة الخطيرة فى دستورنا، فهم يعبثون فى أمور لا يمكن العبث بها على الإطلاق. كما أن ترك تدوين الدستور لفصيل معين من أبناء المصريين خطأ ولن يخرج منه إلا دستور يعبر عن فئة معينة ولا يرضى الشعب؛ فالدستور أخطر من أن يترك لفئة بعينها، وأنا أتمنى أن تُحل الجمعية التأسيسية بحكم من المحكمة؛ لأن استمرارها بهذا الشكل سيسبب عوارا أساسيا فى دستورنا. * ولو تم وضعها فى الدستور، هل ستؤثر على مستقبل الأدب؟ - لن أتراجع وسأظل أكتب ما أومن به أنه الصواب من أجل مصر، لن أسأل نفسى ولو لثانية واحدة هل يرضيهم ما أكتبه أم لا؛ لأن الأديب الحقيقى لا يؤثر عليه شىء فى عملية الإبداع، وعندما يضع أى مبدع توازنات أمامه لا يكون إبداعا، كما أننى أؤمن بمقولة «كلما زاد القهر زاد الإبداع»؛ لأن القهر يولد إبداعا ويوحد القوى الديمقراطية ويجعلها تتوحد وتبتعد عن خلافاتها، وكنا نتمنى أن نتحد لنبنى بلدا، لأنه يحتاج لذلك، أكثر من إهدار وقتنا فى أشياء غير مهمة على الإطلاق. * ما رأيك فى الهجوم الشرس على رواية «أولاد حارتنا» لاعتقاد الكثير أنها تمس الذات الإلهية؟ رواية «أولاد حارتنا» لم تمس الذات الإلهية، عندما قامت ثورة 1952 توقف نجيب عن الكتابة حتى عام 1959، لتتحدث عن صراع الفتوات مع أصحاب العقول بعد ثورة يوليو، فكرة الذات الإلهية وتشابه عدد الفصول، 114 فصلا، مع عدد سور القرآن، كلها مزايدات على الرواية، واستباحة دم محفوظ كانت خطأ؛ فهى أجمل أعماله، إذا قُرئت كنص روائى ولم تقرأ كمنشور سياسى. * إلى أى مدى تنطبق «أولاد حارتنا» على الواقع المصرى بعد ثورة 25 يناير؟ أصبحت الآن البلطجة جزءا أساسيا من واقع مجتمعنا، وأصبح الكثير يحسم مشكلاته بعيدا عن الشرطة، وعدنا لمربع الصراع بين العقول والعضلات، أى بين المفكرين والليبراليين وبين البلطجة فى الشارع، فأصبح الناس لا يلجأون للشرطة، لعدم قدرتها على السيطرة على الانفلات الأمنى. * ما رأيك فى الهجوم على أدب نجيب محفوظ من قبل بعض السلفيين؟ - فى الفترة الأخيرة لم يتفق المصريون على شىء إلا على كلام «الأخ السلفى» الذى هاجم محفوظ، لا يستحق أن نرد عليه، فهاجم الأفلام السينمائية المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ، فالروايات لم يقرأها أساسا. وقال نجيب فى حياته: «أنا مسئول عن رواياتى فقط، أما الأفلام فمسئول عنها من صنعوها». * فى الفترة الأخيرة وقع جور كبير على حرية التظاهر وحرية التعبير مثل إغلاق قناة «الفراعين» وتعرض رئيس تحرير «الدستور» للمحاكمة.. ما رأيك فى ذلك؟ - ما حدث تراجعات محزنة، ومصر أكبر من هذه الإجراءات، يجب تنظيم التظاهر وليس منعه أو تجريمه؛ لأن التظاهر الذى يتم خطأ؛ لأن من يحكمون مصر أتت بهم مظاهرة، أما عن إغلاق القنوات، بصرف النظر عن اختلافى معهم، فما حدث خطأ جوهرى، ولن نتنازل عن حريتنا، ولو حصل هذا ونجيب على قيد الحياة لقال مقولته الشهيرة «عندما أكتب لا أعبأ». * وما سبب منع نشر مقالك «لا سمع ولا طاعة» من جريدة «الأخبار»؟ - هذه فضيحة حقيقية فى بلد فيه حرية منذ قرون من الزمان، وكان المقال وصفيا لما حدث فى مدينة الإنتاج الإعلامى عندما توجه بعض الملتحين ومنعوا إعلاميين من الدخول وحاولوا «تشميع» قناة الفراعين، ولم يحدثنى أى شخص عن سبب المنع. * المخرج خالد يوسف يعمل الآن على تحويل رواية «أولاد حارتنا» إلى فيلم سينمائى، إلى أى مرحلة انتهى إليها؟ - لم يجر خالد يوسف اتفاقا، حتى الآن، مع أسرة نجيب محفوظ، ولم يحصل على موافقة حتى يحول الرواية لفيلم سينمائى، وأنا أعتقد أن خالد فنان شجاع ولا يقيم حسابات لأى جماعة، ويعبر عما يؤمن به بحرية مطلقة، ومتأكد أنه سيخرج فيلما قريبا من الرواية، وسيتفوق ليصل لدرجة أنه سيجيب عن الأسئلة الجوهرية الموجودة بها، لكن الأهم أن ينهى التعاقد مع أسرة محفوظ. * هل تتوقع وقف فيلم المخرج خالد يوسف عن رواية «أولاد حارتنا»؟ - طبيعى، ممكن يكون رد الفعل أن العمل يتوقف، خاصة أن مصر تتعرض لحالة «أخونة» الآن، لكن العمل ممكن أن يكتمل فى أى بلد آخر مثل بيروت أو لندن أو باريس؛ لأن فكرة المنع «مضحكة وساذجة» فى ظل أن العالم أصبح قرية صغيرة، والاتصال مستمر ولا يمكن منعه، فكلمات من مثل «منع أو حجب» حذفت نهائيا من القاموس.