للحظة تخيلتني بالأراضي الشريفة، وكم اشتقت لتلك اللحظة التي سأزور فيها قبر حبيبي المصطفى، وكم تخيلت الحكايات التي سأرويها عليه ولكن خيالي هذه المرة لم يأخذني أمام قبر حبيبي المصطفى، ولكن إلى أرض البقيع المدفون بها صحابة رسول الله رضوان الله عليهم. وقادتني خطاي إلى قبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقفت صامتة لدقائق، وفجأة صرخت والدموع تنزل من عيوني وكأنها حبست لأعوام وأخيرا وجدت طريقها للخروج ولم أستطع أن أقول سوى آاااااه يا عمر آاااااه ولم أعد أشعر بمن حولي ولا أهتم لما سيقولونه عني فقط شعرت أن قلبي ينتزع من مكانه وكأن الوجع ظل يتراكم عليه لسنوات وأخيرا وبعد صرخات طويلة ودموع منهمرة كففت دموعي ونطق لساني تحدثت معه آااااه يا عمر يا من سمع بكاء طفل رضيع لا ينقطع فذهبت لأمه حتى ترضعه، فأجابتك أنها أفطمته مبكرا لأن عمر سامحه الله (ولم تكن تعلم أنك عمر) لم يجعل نصيبا من بيت المال للرضّع، فرجعت للمسجد وظللت تبكي على ما فعلت بنفسك وتقول يا ويلك ياعمر كم قتلت من أطفال المسلمين ثم تذهب إلى بيت المال وتحمل على ظهرك جوال القمح ولم ترضَ أن يحمله عنك أحد بل ذهبت بنفسك لبيت المرأة وأعطيته لها، وفي نفس اليوم خصصت حصة للرضّع من بيت مال المسلمين، ليتك تعود للحياة وترى الأطفال في سوريا بمخيم اليرموك يموتون جوعا يا عمر، بل ليتك تراهم يجمعون الحشائش من الأرض ليأكلوها ويقاوموا بها الموت وقادة أمتنا وشعبها مشغولون بلعبة سخيفة تُدعى السياسة آاااااه ياعمر يا من رفضت أن تصلي بكنيسة حتى تحافظ عليها، يا من أزاح التراب عن معبد يهودي، يا من رحم شيخا ضريرا من أهل الكتاب حين رأيته يسأل الناس فكان ردك: والله ما أنصفناه إن أكلنا شيبته ثم نخذله عند الهرم وأسقط عنه الجزية وخصص له جزءا من بيت مال المسلمين ليتك تعود للحياة وترى كنائس يتم تفجيرها ويقتل بها من يقتل قسيسين كانوا أو أطفال يا عمر بسبب لعبة سخيفة تُدعى السياسة.. آااه ياعمر يا من فتحت بيت المقدس ولم تؤذِ أحدا يهودا كانوا أو مسيحين، ليتك تعود للحياة لترى ما يُفعل بأهل فلسطين والحصار المفروض على مسلميها ومسيحييها، والأغرب يا عمر أن المسلمين هم مَن يرفضون أن يفتحوا لهم معبر رفح، وذلك بسبب لعبة سخيفة تُدعى السياسة آااااااااه يا عمر يا مَن خاف أن تتعثر بغلة في العراق فيسألك عنها الله عز وجل لماذا لم تمهد لها الطريق، ليتك تعود للحياة وترى الدماء التي أغرقت الشوارع ببلادنا العربية، ولكن أتدري يا عمر.. أكثر ما يؤلم أن الناس حين تشاهد القتلى تسأل من أي فصيل سياسي ينتمي الموتى؛ فإن كانوا من نفس الفكر السياسي سيغضبون لحرمة الدين وإن كانوا من الذين يختلفون معهم يا عمر يكون ردهم: هذا ما يستحقونه للحفاظ على الوطن وأنه يجب التضحية بالمواطنين من أجل الوطن، أي وطن لعين هذا الذي يبنى بلا مواطنيه ويكونوا فرحين يا عمر أمة محمد تفرح فالقتلى الآن يا عمر لمجرد اختلاف في وجهة نظر بسبب لعبة سخيفة تُدعى السياسة وأخيرا تذكرت أنك لن تعود للحياة فزمن المعجزات انتهى بل نحن أصبحنا أمة لا تستحق معجزة لأننا فقدنا الرحمة وننتظر أن يرحمنا الله مهلا فلنرحم نحن أولا مهلا يا عمر لا تعود إلى هذا الزمن ولكن أدعو ربك ليزرع في قلوبنا الإنسانية أولا ثم اسأله الرحمة بنا.