"إنهم يريدون إسقاط الجيش، الخونة والعملاء ينادون بسقوط الجيش المصري أخر الجيوش العربية، سقطت جيوش العراق وليبيا وسوريا وجاء الدور علي الجيش المصري، إنهم يحاربون المؤسسة العسكرية ويهتفون ضد قياداتها، هناك مؤامرة تديرها الدول المعادية لمصر بمساعدة الخونة لإسقاط الجيش". هذا جزء من لائحة اتهامات لا تنتهي توجه لكل من يعارض القيادات العسكرية عندما تكون طرفا في السلطة، ليس في مصر وحدها بل في دول العالم الذي يكون فيها قيادات من الجيش جزء من السلطة، وبالتأكيد لا يمكن إخفاء وجود مؤامرات علي الجيوش العربية، وهي التي أدت الي سقوط جيوش العراقوسوريا ومن بعدها الجيش الليبي. من حق الشعب المصري أن يشعر بالخوف علي جيشه بعد سقوط تلك الجيوش في صالح العدو الصهيوني صاحب المصلحة الأولي والأخيرة في حدوث ذلك ولكن يبقي السؤال، من يُسقط الجيوش؟. فالحقيقة التي يرفض الكثيرين مواجهتها أن مطامع الجنرالات والقيادات العسكرية في السلطة واستغلال مبدأ الولاء والطاعة في عقيدة الجيوش لإقحامهم في مواجهات مع شعوبهم من أجل سلطة زائفة ومصالح شخصية هي من تسقط الجيوش وهي من تدمرها، ولعل الدول التي تقدمت عن شعوبنا العربية فطنت لهذا الدرس منذ أمد بعيد وبعد انتهاء الحروب العالمية التي تسبب فيها أحلام ومطامع الجنرالات العسكرية في ذلك الوقت ، فحتي لو نجحت تجارب بعض العسكريين في تولي السلطة لبعض الوقت فانها في النهاية تتنتهي بكوارث بسبب طموحات الجنرالات التي لا تتوقف و الرغبة في السيطرة علي الشعوب بمبدأ الولاء والطاعة ورفض تداول السلطة وعدم السماع الا للمنافقين واصحاب المصالح الذين يلتفون حول الجنرال الذي معه السلاح الذي يسير كل الامور لصالحه ومؤسسات الدولة لتسير بامره فقط . فالدول التي تعلمت من خطورة دخول الجنرالات في مستنقع السياسة والسلطة هي التي تساند دائما القيادات العسكرية لتصل الي السلطة لانهم يعلمون ان هذا هو مفتاح اسقاط الجيوش فهم اتعظوا من تجارب هتلر احد المحاربين القدماء في صفوف الجيش الالماني في الحرب العالمية الاولي والذي كان أحد الاسباب الرئيسية في اندلاع الحرب العالمية الثانية الذي سقط فيها ملايين الضحايا ، في الوقت الذي مازالت فيه الشعوب العربية تدفع ثمن أطماع الجنرالات في الوصول الي السلطة . فأغلب الجنرالات العسكرية في الوطن العربي الذين نجحوا في الوصول الي السلطة عبر انقلابات عسكرية يتحملون المسئولية الكبري التي وصلت اليها حال الدول العربية وادخال الجيوش كطرف في السلطة فتجربة انقلاب الجنرال حافظ الاسد في سوريا واستيلائه علي السلطة ودخوله في حرب مع جزء من شعبه حتي ورث السلطة لابنه الجنرال بشار ادخلت الجيش والدولة السورية في نهاية ماساوية وحرب لم تتنهي حتي الان بين الشعب والجيش وداخل الجيش نفسه وتجربة الجنرال صدام حسين الذي قادته أطماعه لدخول الكويت ومحاربة ايران انتهت تجربته بنهاية مأساوية والتي اعطت ذريعة لامريكا في ان تقضي علي الجيش والدولة العراقية وسط مساندة من الدول العربية التي اصابها الخوف والهلع من مطامعه التي لم تنتهي و تجربة القذافي في دولة لبيا بعد انقلابه علي السلطة ايضا وتنصيب نفسه حاكما للبلاد ومحاربته لمعارضيه انتهت بسقوط الاف الشهداء و موته وسقوط الجيش الليبي ،و تجربة الجنرال علي عبد الله صالح التي اودت اليمن الي الضياع في معركة لم تتنتهي ايضا حتي الان . ففي التجارب السابقة والتي مازالنا نعيش فيها حتي الان يدخل الجنرال الي السلطة بكلام معسول حول تدخله ضد حاكم ظالم أو فاشل للحفاظ علي الدولة وانه سيسلم السلطة بشكل ديمقراطي وسرعان ما تظهر مطامعه بمعاونة المنتفعين والفاسدين الذين يبحثون عن حماية دبابات وجيوش الجنرال الذي لا يتواني في تحويل معارضيه الي خونة وعملاء ويبرر قتلهم واعتقالهم و التنكيل بهم بحجة "انهم يواجهون الجيش " . وما نعيشه في مصر الان هو تجربة تكاد ان تكون بالكربون من ماعشناه في السابق سواء في دول العالم او داخل الدولة المصرية بداية من عهد عبد الناصر الذي انقلب علي فساد الملك هو ومجموعة من الجنرالات ثم سرعان ما انهي وعوده عن تسليم السلطة بسيطرته علي الحكم وتداول السلطة من حاكم عسكري الي اخر ، وأنتهت بتجارب مأسوية وبثورات ضد الحكام العسكريين وبثورة 25 ضد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ومواجهات وتظاهرات في عهد المجلس العسكري وانشغال الدولة بمعارك داخلية عن التقدم والوصول الي ماو صتل اليه الدول الاخري من تقدم . وفي هذه الايام يطل علينا الجنرال عبد الفتاح السيسي بوجه مشابه للتجارب الفاشلة الماضية التي اودت بحياة شعوب وجيوش ودول ، فكانت البداية بكلام معسول في 3 يوليو بعد ازاحة نظام الاخوان من السلطة بعد فشلهم في الحكم ثم سرعان ما أنتهي الكلام المعسول وأبتعد عن ارض الواقع وسط قمع للمعارضين وللشباب وسقوط دماء الشعب ووجود الاف من المعتقلين في السجون ، و تقوده احلامه الان الي الوصول الي الحكم بترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة مستغلا دعم اجهزة الدولة له والمنافقين وفلول النظام السابق واصحاب المصالح الذين يبحثون عن حماية قوته العسكرية و الذين مهدوا له الطريق علي انه "المنقذ" . فالحفاظ الحقيقي علي الجيوش هو الحفاظ عليها لتكون درعا للاوطان وليس لتكون درعا لمطامع الجنرالات تحت شعارات وهمية تتسبب في قتل شعوب وجيوش.