هناك فرق كبير بين المعارضة التى تريد أن تبنى وبين المعارضة من منطلق «أنا أعترض إذن أنا موجود»، وهناك فارق كبير بين الحرية وممارستها وبين قلة الأدب.. أيضاً هناك مساحة شاسعة بين أن تعى ثقافة الاختلاف وبين أن تكون فخوراً بجهلك وتطاولك. سبق أن كتبت وقلت إن ثورة يناير أفرزت أجمل ما فينا خلال أيام لدرجة أبهرت العالم الذى تابع شباباً نقياً وشعباً متحضراً خرج ثائراً على ظلم أحسه، ومهانة عاشها، واحتكار طال كل شىء حتى العقول. وبمجرد سقوط النظام شاهد العالم هذا الشعب العظيم الذى أبى أن يترك ميدان التحرير قبل أن يعيده أفضل مما كان.. ولكن ذهب الثوار ليبنوا ويعملوا ويكملوا حياتهم، وبقى بعض ممن أسميهم تجار الثورة الذين إذا سألتهم عن وظيفتهم سيقدمون لك أنفسهم بأنهم إما نشطاء (سياسيون) أو ثائرون أو حقوقيون.. ويمكنك عزيزى القارئ أن تلتقى بهؤلاء ليلاً ونهاراً ودون موعد سابق على مقاهى البورصة بوسط البلد، حيث لا عمل لهم ولا مصدر دخل إلا الثورة! أعود بذاكرتى إلى عام 2004 وقت أن كنا نتظاهر على سلالم نقابتى الصحفيين والمحامين، وكنا أول من هتف بسقوط النظام، كان بعض قيادات المعارضة (المناضلين الآن) يصفون ما نقوم به وما نهتف لأجله بأنه رجس من عمل الشيطان، بل أستطيع أن أقول إننى عايشت قيادات أحزاب معارضة كانوا يتوددون لمخبرين وأمناء شرطة بأمن الدولة، هم نفس الأشخاص أراهم الآن يستأسدون عبر الفضائيات ويهاجمون ليلاً ونهاراً وزير وقيادات الداخلية، كانوا يسعون على الدوام لعقد صفقات لإنجاح بعض مرشحيهم مع الحزب الوطنى، كانوا يشاركون بالفعل أو بالصمت فى التزوير، هؤلاء، إلا القليل منهم، كانوا أدوات فى أيدى قيادات الحزب الوطنى لتنفيذ مخطط الاستحواذ على كل مقدرات الوطن، وهم أنفسهم من كانوا جاهزين للاستخدام من قبَل الإخوان فى فترة حكمهم القصيرة، حيث استخدمهم الإخوان فى ترويج مصطلح الفلول لحصار كل من كان يتنمى للحزب الوطنى ولإحداث حالة انقسام بالمجتمع تصب فى مصلحة الإخوان دون غيرهم. الحقيقة أننى خضت معركة شديدة الضراوة آمنت بها وهى أننى ضد أى ممارسات إقصائية وتشويه لكل من كان منتمياً لفترة حكم مبارك، وكنت أطالب من يريد أن يزن أعمال من تولى مسئولية إبان حكم مبارك بميزان العدل، يقول ما له وما عليه، فليس كل من كان منتمياً للحزب الوطنى شيطاناً وليس كل من كان فى صفوف المعارضة ملاكاً، فمثلاً: مَن ينكر على مفيد شهاب كفاءته القانونية ودوره فى الدفاع عن طابا المصرية أمام المحاكم الدولية؟ ومن يستطيع أن ينكر أن فتحى سرور، مهما اختلفنا على ممارساته البرلمانية، قامة قانونية ودولية؟ بل إنه كان المصرى والعربى الوحيد الذى تولى رئاسة البرلمان الدولى، ومن يستطيع أن يختلف على الراحل محمد محمود على حسن الذى ترك زعامة الأغلبية بمجلس الشعب بعد عام واحد لرفضه سياسات الحزب الوطنى وكان من أول رجال الأعمال الذين فكروا فى التنمية فى الصعيد بإنشاء مصانعه هناك، ليكون أول مستثمر يهرب إلى الصعيد وليس منه؟ من يستطيع أن يُقصى علماء مثل هانى الناظر وعلى شمس الدين وغيرهما الكثير لمجرد أنهم كانوا منتمين للحزب الوطنى، أليس هذا مخطط تجريف آخر للوطن؟ الخلاصة أننى أريد أن أؤكد أنه يجب التفرقة بين رموز النظام ورموز الفساد، فليس كل من كان مرتبطاً بالنظام الحاكم أو حزبه خلال حكم مبارك فاسداً، بل إن الفساد كان لا يعرف انتماء واحداً، لذا فيجب مساءلة الفاسد عما فعله، فلا توجد تهمة اسمها الانتماء لكيان معين طالما اتسم بالشرعية القانونية. أخيراً، أرى أننا لسنا فى حاجة إلى التفتيش فى صفحات الماضى بقدر حاجتنا أن نفكر من الآن، بل من الأمس، كيف نكتب سطوراً جديدة فى مستقبل يستوعب كل من يعترف بأن يناير كانت ثورة ويونيو كانت ثورة.. ثورتان قام بهما شعب، وليس فصيلاً معيناً، على فساد وظلم واستبداد نتمنى أن نزيله من المستقبل الذى سنكتبه.