أهم ما قدمته مؤسسات الأمن المصرى للمصريين هو كشف حقيقة المختبئين فى عباءة الدين وادعاء «ولاية الله» من هذا التنظيم الإرهابى الذى يسعى منذ أكثر من ثمانين سنة للسيطرة على حكم المصريين واستعبادهم مستغلاً فيهم حبهم للدين لم تكن القضية هى قضية «تشبيه القادة بالأنبياء والرسل» (عليهم السلام) كما يشاغب البعض بقصدٍ أو بغير قصد، وإنما كانت القضية كما تتبادر إلى ذهن المستمع البرىء لسياق حديثى يوم الخميس السادس من فبراير 2014 مع أسر ثلاثمائة شهيد ومصاب من رجالات الشرطة الأبرار، الذين لا يعرفون ذنباً لقتل شهيدهم أو إصابة جريحهم غيلةً أو خسةً أوغدراً إلا أنه يؤدى واجبه الوطنى فى حمايته للإنسان المصرى من أعمال البلطجة والتعدى، وخدمته فى تنظيم مروره وتيسير سفره، ووقايته من شرور المخدرات والإرهاب... وغير ذلك من سبل الأمن التى كانت دعاء سيدنا إبراهيم الخليل الأول يوم أن عهد الله إليه وإسماعيل بتطهير بيته لاستقبال الطائفين والعاكفين والركَّع السجود، ساعتها أدرك سيدنا إبراهيم أن ذلك لن يدوم بغير أمان اجتماعى، فقال كما يقص القرآن: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} (البقرة: 126)، فأجابه الله على الفور بأن ذلك حق لجميع البشر من المؤمنين وغير المؤمنين، لأن حساب الناس على الإيمان ليس فى الدنيا، فقال سبحانه: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (البقرة: 126). والأمن الاجتماعى الذى جعله الله حقاً للإنسان فى الدنيا لن يأتى بإعجاز من السماء دون أسباب أرضية، وقد تعارف الناس على مدار السنين وتراكم الخبرات الحضارية أنه يتحقق بمجموعة مؤسسات أظهرها فى نطاق الحدود والأمن القومى مؤسسة الجيش، وفى نطاق الداخل والأمن الحركى مؤسسة الشرطة، وفى نطاق القانون وأمن العدالة مؤسسة القضاء. ومن فضل الله على مصر أن حفظ لها تلك المؤسسات فى مواجهة الإرهابيين الذين تخفوْا فى صورة «أولياء الله»؛ ليظل دعاء سيدنا يوسف (عليه السلام) لكل من يقصد مصر بخير باقياً ومحفوظاً بحفظ القرآن الكريم: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آَمِنِينَ} (يوسف: 99). ولعل أهم ما قدمته مؤسسات الأمن المصرى للمصريين هو كشف حقيقة المختبئين فى عباءة الدين وادعاء «ولاية الله» من هذا التنظيم الإرهابى الذى يسعى منذ أكثر من ثمانين سنة للسيطرة على حكم المصريين واستعبادهم مستغلاً فيهم حبهم للدين، ولا دين بصدق إلا ما يمليه هذا التنظيم، على غرار إدارة فرعون من قبل عندما قال للمصريين، كما يقص القرآن الكريم: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِى} (القصص: 38)، وقال لهم أيضاً: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات: 24). ونجح فرعون فى نشر ثقافة ألوهيته بسلاح الاستخفاف الذى قال الله عنه: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (الزخرف: 54)، ويعتمد سلاح الاستخفاف على السحر القائم على التخيل والتدرج فى سرقة العقول شيئاً فشيئاً، وكانت البداية بإيهام المصريين حب فرعون للدين، ثم مغالاته فى هذا الحب حتى يصدقوا مرجعيته الدينية، ويفقدوا الثقة فى أنفسهم، ويكذبوا عقولهم وقلوبهم التى تجعل لكل إنسان مثل ما للآخر فى صلته بالله دون وسيط كما هى مهمة الأنبياء والرسل المبلغين عن ربهم والناصحين أو المذكِّرين لغيرهم. إلا أن فرعون أراد أن يفرغ الدين من مضمونه فى تكريم الإنسان ويجعل من الدِّين سيفاً على رقاب الناس بحسب هواه فى تفسيره وتوجيهه، ليس ذلك فى طرقات المصريين وعلاقاتهم الظاهرة فقط، بل ليمتد سيف حكمه عليهم بالدين إلى بيوتهم وخلواتهم. ولأن الله (تعالى) يغار أن يتاجر أحد من خلقه بدينه للسيطرة على بعض خلقه، فهو (سبحانه) رب الناس جميعهم، ودينه الحق يقر بكرامة بنى آدم كلهم - فقد أرسل إلى فرعون سيدنا موسى وسيدنا هارون بآيات الله كما قال (سبحانه): {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا} (طه: 56)، حتى يتخلى عن أكذوبة الحديث عن الله والتجارة بالدين فى حكمه، إلا أنه كذب وأبى وعاند واحتكم للسحر الذى يعتمد عليه فى استخفاف الناس، ووعد السحرة بالإغداق عليهم كما اشترطوا عليه فيما يقصه القرآن الكريم: {إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} (الأعراف: 113). ومن ثقة فرعون فى خداع المصريين بالسحر منح موسى عليه السلام اختيار يوم المناظرة فاختار يوم عيدهم الدينى فى حضور المصريين كما يقص القرآن الكريم: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} (طه: 59)، وفى هذا المشهد المهيب ألقى موسى ما فى يمينه فظهرت آية الله للمصريين فلم يبرحوا حتى صححوا دينهم لله، فتوعدهم فرعون بالنكال الشديد الذى لم يهز فيهم شعرة، بل اعتبروه مكفراً عن غفلتهم واستخفاف فرعون بهم. قلت لأسر ثلاثمائة شهيد ومصاب من أبناء الشرطة: إن سنة الله لا تتخلف، كما قال سبحانه: {سُنَّةَ اللهِِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب: 62)، وتمر الأيام ويأتى لحكم مصر فى 2012 من يكرر نموذج فرعون فيقول لا إسلام إلا ما نعرفه لكم، ولا دين إلا ما نمليه عليكم، فيبعث الله للمصريين رجلين -بغير نبوة بداهة- «السيسى» رمزاً للجيش و«محمد إبراهيم» رمزاً للشرطة، ليحرراهم من الاستعباد باسم الدين كما بعث وأرسل من قبل سيدنا موسى وسيدنا هارون لتحرير أجدادهم من استعباد فرعون باسم الدين. والمتأمل فى هذا الاستعراض الواضح فى سياقه دون اجتزاء جملة فى غير موضعها يدرك اعتدال الخطاب وحكمته فى الاعتبار بالقصص القرآنى فى مواقف الأمم وحال التاريخ، كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِى الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (يوسف: 111). ولكن بخيال السحرة الذين يخدعون الناس بالزيف ويضللونهم عن الحق بما أوتوا من مال وتسخير نعمة الإنترنت فى نشر الأكاذيب - استطاع ورثة فرعون فى الحكم الدينى خلال ساعتين من الزمن بعد كلمتى لأسر شهداء الشرطة ومصابيهم أن يظهروا مشهد الاعتبار بالأحداث والتاريخ على أنه تشبيه للقادة بالأنبياء والرسل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.