لا أشعر بإساءة وطنية أو إنسانية حينما يتعرض د.باسم لرموز الدولة، فهو أمر مقبول عالميا ومفهوم بموجب المنطق والقانون؛ فالشخصية العامة تختار بمحض إرادتها أن تكون محل نقد، وفى المقابل تكون أيضاً محل شعبية وتأييد. أما الاستهزاء بالسيدة المحترمة «أم أشرف»، الأمر الذى جعلها أضحوكة مواقع السخرية على الفيس بوك، فلنا عنده وقفة. أولا: أم أشرف ليست شخصية عامة ولم تختر بمحض إرادتها أن تظهر على «البرنامج». كما أن ليس لها ترسانة إعلامية -كما هو الحال بالنسبة للنظامين الحالى والسابق- لترد من خلالها. ثانيا: المغزى من السخرية من شخصية عامة أو كيان اعتبارى -وهو ما يبرره- هو إلهام نقاش مجتمعى حوله. فمثلا، فقرة السيسى فى الحلقة السابقة أوضحت مدى اهتمام التليفزيون المبالغ فيه بالسيسى حتى على قنوات الفن والرياضة والطبيخ، وبناءً عليه يدور نقاش فيما إذا كان هذا مبررا أم غير مبرر. لكن أى سجال مجتمعى سيدور حول أسلوب أم أشرف؟ لقد كان دافع د.باسم وفريقه انتقاميا من الدرجة الأولى، والأحرى به أن يلتزم بعدم استخدام برنامجه للانتقام الشخصى، والأهم ألا يكون الانتقام من سيدة مسكينة انتقمت منها الدنيا قبل أى شىء. ثالثا: إن كان استخدام «أم أشرف» كحالة تعكس مدى الجهل الذى وصل إليه الشعب، فقد كانت هناك طرق أكثر احتراما لآدميتها تعرض بها الحالة. فأم أشرف إن كانت لك رمزا للجهل، فهى لأبنائها رمز للنبل والكفاح والإيثار والتضحية. رابعا: جهل أم أشرف ما هو إلا نتاج ظروف اجتماعية غير عادلة لم تعط لها الفرصة فى التعلم والتثقف. وهو ما لا يجعلها فى موقف المتهم، بل هى الضحية. ولولا وجود ضحايا كثيرين مثلها ما كنت يا باسم كنزت ثروة تسمح لك بالدراسة بالخارج فتحولك إلى الدكتور باسم. خامسا: ماذا لو كانت الظروف مغايرة، لا من حيث العدالة ولكن من حيث تبادل الأدوار؟ هل إن كانت هى الإعلامية المشهورة وأنت «أبوأشرف» الغلبان كنت سترى سخريتها منك مبررة؟ والأهم، هل كنت ستعلم كيف تقول الكلمة فى موضعها حتى لا تكون موطئا للسخرية، فلا تقل «سلبى لا إيجابة ليه» ولا تتلعثم فى كلمة «أراجوز»؟ وإن كانت مأجورة -وأنا أشك- فهل كنت ستترفع أنت عن أن تفعل مثلها لتعود ببعض اللقيمات لأولادك الجوعى؟ يفسر «الشيخ الشعراوى» آية «لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم» بأن الأفضلية أمر نسبى فى كل الأحوال، فإن كنت أكثر تقوى وعلما وإرادة ومالا وكل شىء قد يقارن كميا فيعطيك الأفضلية، فإن كل هذا نتاج ظروف معينة.. هنا يجب أن تحتاط عسى أن يكون من تسخر منه الآن إذا كان مكانك يصبح خيرا منك. سادسا: هذه الحالة من التعالى الطبقى هى حالة عامة فى مجتمع ما بعد الثورة. الإخوان المسلمون كانوا يتعاملون بمنطق أنهم «يعرفون» الحقائق دون بقية الشعب، لا يجدون مانعا من السخرية من معارضيهم ودفن رؤوسهم فى الرمل. كذلك اليوم رموز وإفرازات الثورة. قبل موضة أم أشرف على فيسبوك كانت من أكثر الصور تداولا صورة رجل عجوز يبيع شعارات إخوان مع صور السيسى. وهذه الصورة ينطبق عليها كل البنود الستة السابقة. سابعا: بموجب المقاييس النسبية فإن أم أشرف تعتبر سيدة فى منتهى التحضر والثقافة. فلقد كان لها موقف من د.باسم، عبرت عنه بأسلوب ساخر يتفهمه أولاد طبقتها، ثم ظهرت عدة مرات أمام الكاميرات تعلن رأيها بطلاقة ودون خجل، ولم تغير موقفها بعد أن تعرضت للهجوم. كما أنها حساسة إلى أعلى الدرجات، فقد أبكتها سيرة الشهداء الذين يسقطون. ثم إنها انثى عاملة مجتهدة، تكسب عيشها بالحلال. أعتذر بالنيابة عن الكثيرين لأم أشرف وكل ضحايا المجتمع الطبقى الذين حوّلهم البعض إلى متهمين بالتآمر والإفشال والجهل، وأتمنى أن يعتذر لها الدكتور باسم، فهذا الاعتذار لن يقلل من هامش حرية الإعلام شيئا!