يمكن القول إنهم وصلوا إلى المعادلة السحرية للسعادة، تلك التى سبق للعبقرى سعد عبدالوهاب أن تغنى بها فى رائعته «الدنيا ريشة فى هوا.. طايرة بغير جناحين.. إحنا النهاردة سوا، وبكرة هانكون فين؟! فى الدنيا فى الدنيا»، جلسوا معاً فى مساحة خضراء صغيرة بميدان عبدالمنعم رياض، كانوا يتسابقون فى حماس شديد ليأخذوا مواقعهم ويبدأوا فى لعب «الكوتشينة» تحديداً لعبة «الشايب». «يا ويله يا سواد ليله اللى هايطلع له الشايب.. هاشيبه» قالها فراج عصام، الذى يحب أن يناديه الجميع باسم «هادى»، فتى فى الرابعة عشرة من عمره، يبدو أصغر من ذلك بكثير، لكن أمارات الشقاوة تبدو واضحة على وجهه، الذى تبدو عليه أيضاً علامة لإصابة أيضاً، يقول عنها «أصلى بطلع على كوبرى قصر النيل وأنط أنا والعيال، بس المرة دى خبط فى المية جامد، مناخيرى باظط، بس المشكلة مش فى وشى ولا مناخيرى المشكلة فى الخبطة اللى خبطها لى جوز أمى وخلت عروق إيدى نافرة ومتعورة جامد لحد دلوقتى»، قالها ثم نظر لزملائه ضاحكاً، وواصل اللعب. «هادى» كان فى مؤسسة «أبو أتاتة»، يتذكرها ضاحكاً ويقول: «أنا اتعلمت هناك، بس سبحان الله علمونا القراية أكتر من الكتابة، خرجت من هناك بعد الثورة ما قامت بشوية، بصراحة قبل الثورة كنت بعرف ألقط رزقى أكتر من دلوقتى، كنت بلاقى شغل عشان أعرف أجيب أكل وهدوم، لكن الحكومة كانت دايماً لما تشوف وشى يقولوا للى مشغلينى دة عيل بيشد كُلّة مالكوش دعوة بيه، مع إن أنا آخرى سجاير والله، عمرى ما جيت جمب الكُلة، المهم بعيد عن كل دة أنا بحب أقابل العيال دى، نلعب دومنة، ولا كوتشينة، ونهرج». «آية» الفتاة ذات ال14 عاما، بدت ملابسها منمقة أكثر من أقرانها، جاءت من دار السلام إلى ميدان عبدالمنعم رياض إلى أصدقائها الذين تأتى لهم خصيصاً كى يلعبوا ويمرحوا، تقول «دول إخواتى وأهلى اللى خرجت بيهم من الدنيا، بيخافوا علىّ أكتر ما بيخافوا على نفسهم، أهلى اللى فى دار السلام عارفين إنى بت بميت راجل ما يتخافش علىّ، بنلعب كتير أوى وساعات تهف فى دماغنا نروح إسكندرية نصيف يوم ونرجع». «كنا فى مدرسة وطلعنا منها» قالها محمد الفتى ذو ال15 عاماً، وأضاف: أنا وأخويا فراج ساكنين فى بولاق أبوالعلا، أهالينا هناك مريحة دماغها مننا، إحنا بنسترزق مع نفسنا، مرة نبيع مناديل، ومرة نلمع عربيات، ومرة نعمل فيها خرس وننزل المترو نشحت، أهو اللى نلاقيه بنعمله، محدش بيسأل عننا، أبونا وأمنا مصدرين لنا الطارشة، احنا على الهواء مباشرة لو لها مزاج كانت دورت علينا ولا سألت إحنا فين، لكن بعيد عنك قاعدة فى البيت شبه المسمار اللى اتدق فى عمود مكهرب، لا بتخرج، ولا ينفع تقرب لها». «مرة جيت أنط من فوق الكوبرى بتاع 6 أكتوبر وقعت فوق مركب كان معدى» قالها يوسف، الفتى الذى جاء من دار السلام أيضاً ليقضى اليوم مع زملائه. «على».. الفتى الصغير الذى عجز عن تذكر عمره بالضبط، أحد مصابى الثورة، سبق له أن أجرى عملية فى رأسه الصغير بسبب شىء ما لا يتذكره وقع فوق رأسه، تاركة أثراً غائراً، لم يكن هذا هو ما يهمه، ولكنه كان مهموماً بصديقه طارق جمعة، الذى لم يأتِ إلى اجتماعهم، قال: طارق «بينام على حصيرة قدام ماسبيرو وغلبان أوى، مش عارف مجاش ليه يلعب معانا؟». يتمنى «على» أن يصبح رئيساً للجمهورية، يعلل رغبته تلك بقوله: «نفسى أحبس كل ولاد الكلب الحرامية»، أما «محمد» فقد لخص أمنيته بقوله: «نفسى ربنا يهدينا، هى دى النهاية الحلوة اللى الواحد عاوز يوصل لها»، أما «يوسف» الذى لا يدرس بمدرسة فقد اختار ألا يصبح شيئاً، فيما انطلق هادى بخياله قائلاً: «نفسى يبقى عندى تلات محلات كبيرة مليانة عربيات آخر موديل».