تهاتفت مع صديقى وتلميذى الأستاذ «إسلام عفيفى» رئيس تحرير جريدة الدستور عشية مثوله أمام المحكمة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، ما إن سمع صوتى حتى بادرنى بقوله «علمتنا الجرأة ليه يا دكتور أيام الكلية؟». ضحكت وأجبته: ما المسئول بأقل معاناة من السائل، أخذ يذكرنى بمحاضراتى للدفعة التى تخرج فيها من قسم الصحافة بإعلام القاهرة، وحواراتى معهم حول دور الصحافة فى الرقابة على أداء مؤسسات المجتمع، والمساهمة فى تنظيفه من أى فساد وانحراف، من خلال تأمين حقها فى التعبير الحر، والصفح عن بعض تجاوزاتها احتراماً لنبل مقصدها فى حماية حق القارئ فى المعرفة. لم أكن أتصور أن تقضى المحكمة بعد هذه المكالمة بساعات بحبس «إسلام» احتياطياً فى إطار محاكمته بتهمة إهانة الرئيس. مساء ذلك اليوم أصدر الرئيس «محمد مرسى» مرسوماً بقانون يمنع حبس الصحفيين احتياطياً، وتم الإفراج عن «إسلام». وقد كنت واثقاً أن الرئيس سوف يتصرف على هذا النحو، بل وصرّحت لإحدى الصحف بذلك قبل صدور المرسوم بساعات. فليس من المعقول أن يبدو الدكتور «مرسى» أقل تسامحاً من سلفه «المخلوع» الذى عفا عن الزميل إبراهيم عيسى يوم حكم عليه القضاء بالسجن لمدة عام فى القضية الشهيرة ب«صحة الرئيس»! ورغم قيمة وأهمية مرسوم القانون الجديد، إلا أن تشابه نمط أداء «مرسى» مع «المخلوع» فى هذا المقام أساء كثيراً إلى المرسوم وصاحبه، خصوصاً عندما يتذكر المتابع تلك الجملة العجيبة التى تتردد على ألسنة بعض قيادات الإخوان وحزب الحرية والعدالة التى يقولون فيها «ما هو الحزب الوطنى كان بيعمل كده» وذلك فى مدار الدفاع عن أو تبرير بعض أفعالهم، فهذا كلام لا يصح أن يظهر على ألسنة أناس يستوعبون أن الحزب الوطنى ورئيسه أطيح بهما فى ثورة! والقول بأن الرئاسة ليس لها صلة بالبلاغات التى وُضعت على مكتب النائب العام لتتهم عدداً من الصحفيين بإهانة الرئيس كلام يحمل قدراً لا بأس به من الاستخفاف بالشعب، ناهيك عن أنه يذكّرنا بهؤلاء المحامين الذين كانوا يرفعون القضايا لصالح «المخلوع»، وكانت الرئاسة وقتها تنكر صلتها بها! هذه الطريقة فى الأداء تمثل إهانة للشعب، لا تقل عن إهانة «الكذب على الناس» فى موضوع برقية الشكر التى أُرسلت إلى شيمون بيريز وأنكرتها الرئاسة ثم فضحتها الصحافة العالمية، ولا تقلّ عن إهانة هذا الشعب بكلمة «طز» التى يكيلها الأستاذ محمد مهدى عاكف ضد مخالفيه فى الرؤية وقتما أراد، ولا عن إهانة «الجزمة» التى هدد بها عدد من قيادات الإخوان معارضيهم فى الرأى. ولولا التسامح لوجدنا قضايا عديدة مرفوعة على الرئيس الذى سمح ل«جماعته» ب«إهانة الشعب»!