سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حكايتان من الزقازيق: الإهمال يقتل «عبدالحميد» و«أمل» تعانى داخل «غرفة العزل» وفاة الحالة السادسة بالشرقية بسبب الإهمال ونقص الأكسجين.. ونجل المتوفى: الممرضات يرفضن الاقتراب من الحالات خوفاً من انتقال العدوى
غرفة صغيرة، مخصصة ل«العزل»، يخيم عليها الهدوء، تفوح منها رائحة المطهرات، تقبع فى نهاية طرقة طويلة بالطابق الثانى بمستشفى الصدر بمدينة الزقازيق، تتسرب إليها أضواء شاحبة، تزيد الخيفة فى صدور من يتردد عليها، فى أقصى الغرفة، ترقد أمل صابر بمفردها على سرير متواضع، تغوص فى سبات عميق، يخفف عنها الآلام التى تنهش فى جسدها على حد تعبيرها: «النوم أرحم من الصحيان»، السيدة الأريعينية فى عزلة إجبارية لإصابتها بفيروس إنفلونزا الخنازير «h1n1»، وفقا لتقرير طبى مطوى بجوارها على منضدة معدنية تلامس سريرها، الاقتراب من الغرفة ممنوع، بينما يتعامل الأطباء معها بحذر شديد، محاولة الدخول إليها تقابل بالرفض من قبل العاملين بالمستشفى.. «الدخول ممنوع للمصابين والمشتبه فى إصابتهم»، عبارة تتكرر على لسان جميع العاملين بمستشفى الصدر، متبوعة بعبارة أخرى «دى تعليمات من مديرية الصحة بالمحافظة، لو عايز أى معلومات ممكن تأخذها منهم». برفقة أحد أقاربها، يسمح لك بالدخول لزيارتها، تترك الممرضة على باب غرفة «العزل»، بعد أن تعطيك كمامة، السيدة ذات الملامح الريفية تنهض من نومها على صوت فتح الباب، مع حركتها يتزايد الشهيق والزفير وتظهر ملامح الألم على وجهها، تستقبلك بابتسامة ممزوجة بالحزن، عن مرضها تقول: «حسيت بسخونية ووجع فى جسمى، ذهبت للدكتور أعطانى 3 جرعات للبرد لم تخفف الألم، وحالتى زادت مع العلاج ده»، تذهب إلى الطبيب مرة ثانية ينصحها بالذهاب إلى مستشفى الصدر أو الحميات. أمل صابر، ما هى إلا نموذج لأكثر من 27 حالة يشتبه فى إصابتهم بفيروس «h1n1»، بينهم 12 حالة إيجابية وتوفى عدد منهم، بحسب الدكتور عصام عبدالله وكيل وزارة الصحة بالشرقية، الذى رفض الإفصاح عن عدد المتوفين، بينما تؤكد محافظة الشرقية أن عدد الوفيات وصل إلى 5 حالات، وعنها يقول وكيل وزارة الصحة بالشرقية، إنها حالات وفاة عادية ولم تثبت التحاليل أنها بسبب الفيروس، مرجعا سبب الوفاة إلى تأخر أعمار المتوفين وإصابة بعضهم بأمراض مزمنة وقلة المناعة لديهم كحالة السيدة الحامل التى توفيت خلال الأيام الماضية. ارتفعت حالات الوفيات بمرض الإنفلونزا الموسمية فى محافظة الشرقية إلى ست حالات، أمس، بعد وفاة عبدالحميد السيد، 60 عاماً، مقيم بقرية وادى الملاك التابعة لمركز أبوحماد. داخل إحدى غرف العزل بمستشفى الأحرار بمدينة الزقازيق استلقى عبدالحميد السيد، طريح الفراش بأحد الأسرة على جهاز التنفس الصناعى يصارع الموت ولا يملك من أمره شيئاً، وسط خوف وذعر بين العاملين فى المستشفى من انتقال العدوى، ما دفع نجله «شحتة» لمطالبة المسئولين بوزارة الصحة وجموع الأطباء والممرضين بمعاملة المرضى معاملة آدمية وتقديم الخدمات العلاجية اللازمة لهم وعدم ترك أية حالة عرضة للموت بسبب الإهمال. «مفيش اهتمام كافى، الأطباء والممرضين يخافوا يقربوا من أى مريض»، بتلك العبارات بدأ «شحتة» نجل المتوفى حديثه ل«الوطن» وتابع: «بدأ والدى يعانى من رشح وعطس مصحوب بارتفاع فى درجة الحرارة، ثم ضيق بالتنفس، ثم قمنا بنقله لمستشفى أبوحماد المركزى، ورفض المستشفى احتجازه بعد أن شخص الأطباء حالته «باشتباه بإنفلونزا الخنازير». واستكمل شحتة: «لما كانت أنبوبة الأكسجين بتقرب تخلص كنت بروح للمسئولين عن مخازن الأكسجين عشان أجيب غيرها كانوا بيقلولى مفيش، وأحد العمال قال إنهم عاملين إضراب عشان المطالبة بالحد الأدنى للأجور، لافتاً إلى أنه عقب ذلك تدخل مدير المستشفى وأصدر قراراً بنقل والدى لمستشفى الصدر لإجراء أشعة على الصدر. وأشار إلى أنه بمجرد صدور ذلك القرار، بدأت معاناة جديدة، حيث رفض مسئول الإسعاف توصيل الأكسجين له معللاً أنه لا يوجد أكسجين، وظل والدى يتنفس بصعوبة بالغة وظل على هذا الحال حتى وصلنا لمستشفى الصدر الذى يبعد عدة أمتار عن مستشفى الحميات وتم إجراء الأشعة، إلا أن مدير المستشفى رفض احتجازه بدعوى عدم وجود أسرة خالية ورفض منحه أنبوبة أكسجين، قائلاً «إن مستشفى الصدر زود الحميات بعدد من أنابيب الأكسجين فى وقت سابق، وعليهم الإتيان بالأكسجين من مديرية الصحة»، مشيراً إلى أنه طوال محاولات الاستجداء لاحتجازه بالمستشفى أو الحصول على أنبوبة الأكسجين، عانى والده لمدة ثلث ساعة من صعوبة فى التنفس، فاضطر إلى الرجوع إلى مستشفى الحميات، وقد وصلته أنبوبة أكسجين بها كمية قليلة جداً بعد ذلك، ثم توجهت لمستشفى «الأحرار»، لاستدعاء طبيب مسالك بولية وطبيب قلب، مشيراً إلى أنه لم يجد الأول، بينما توجه الثانى لتوقيع الكشف على والده، موضحاً أنه عقب ذلك بعدة دقائق ذهب للاطمئنان على والده، إلا إنه وجده قد فارق الحياة.