هدوء موحش أصم أذني.. أين أنا؟ ماذا أفعل هنا؟ ماذا حدث ؟ أين ذهب كل من حولي؟.. أحبتي، أهلي، أو هؤلاء الغرباء الذين لم أعرفهم قط، لكنهم إخوتي في إنسانية كادت أن تندثر. جمعتنا الأقدار في هذا المكان، ميدان كبير وسيلتنا وهدفنا.. لكن أين هم؟ أين ذهب كل هؤلاء؟.. أتذكر هذا المكان منذ لحظات، كان أكثر ضجيجًا وازدحامًا ودفئًا!.. لماذا أصبح هادئًا فجأة؟ باردًا فجأة؟ تجرد من كل معالم الحياة. أخدع نفسي، أنا أعلم تمامًا لماذا أراه هكذا، بعد أن توقف قلبي عن النبض، وتوقف الهواء عن ملء رئتي، ورفض كل طرف من أطرافي طاعتي.. أعلم تمامًا أنني لم أعد أنتمي لهذا العالم المليء بالحقد والشر والخداع، أعلم تمامًا أنهم سلبوا مني هتافي وضحكتي ودموعي وأحلامي.. وحياتي. أتذكر لون أحمر غطى يدي بعدما تحسست جرحي.. أتذكر وجهه المذعور وهو ينادي اسمي في يأس لأرد عليه، أتذكر عجزي الذي كان كفيلًا بقتلي إن لم تقتلني هذه الرصاصة.. أتذكر كيف كان يهز جسدي، كيف كان يضربه ويضرب الأرض بعنف، كيف اختلط دمي بدموعه!. أحاول أن أقف لعلي أصل لأي مكان آخر، أسير كمن يتحسس الطريق بقدمه، لم أرى حولي سوى الضباب، وجدت طيف شخص بعيد يتحرك، فأسرع بخطوتي لألحق به لعله يهديني، فحتى في الموت نحتاج لرفيق، لكن تجمدت كل قدرة لي على الحركة عندما اكتشفت أنه ليس وحيدًا. فنحن ليس باثنين أو ثلاث، نظرت حولي لأجد بحر من البشر، لا أرى له نهاية، يسيرون في ضلال، حالهم كحالي يتساءلون.. وفي لحظة شعرت بدفء سرى في كل جسدي، عندما لمست هذه اليد يدي، فنظرت لوجه صاحبها، لأرى وجهًا مألوفًا مبتسمًا كعادته. سألته: إنت إيه إللي جابك هنا؟، فأجاب في مرح: قلت بلاش ندالة وأجي أونسك.. تفهمت وبدا تفهمي على وجهي، فقال يواسيني: أدينا مع بعض يا صاحبي، إيه اللي مزعلك بس؟، قولت: إحنا هنفضل هنا كتير؟، رد وقد بدا أكثر جدية: ومين قال إن إحنا ماشيين، إحنا مش المفروض نمشي، كلنا قاعدين، مشيرًا للناس حولنا: حتى أحلامهم هنزورهم فيها، مش هنسيبهم يرتاحوا لحظة، مش هنمشي غير لم ناخد حقنا!. ضغط على يدي بقوة، فشعرت لأول مرة في عالمي الجديد أن الإصرار شيئًا نلمسه، بل نتشبث به كأنه أخر خيط يربط بيننا وبين الحياة.. نظرت في عيون البشر من حولي، فعلمت أن صديقي قد صدق كعادته، علمت أننا لن نرحل!. "يا شعب ياللي دفع تمن الشوارع دم ،، إحفظ أسامي اللي ماتوا في الشوراع صم"